الأحد، 12 فبراير 2017



الهويات القاتله واليات الاقصاء
د-عامر الوائلي 


الانفتاح المعرفي الفكري بات سمة رئيسية من سمات العصر على المستوى الكوني، والتفاعل الحضاري الذي يشهده العالم اليوم، لم يشهد له مثيلاً من قبل، أملته جملة من التغييرات الكونية الفكرية والمادية، لم يعد من الممكن لمجموعة بشرية أو لدولة ما أن تعيش في معزل عن بقية العالم ودون أن تؤثر أو تتأثر في مختلف التغييرات الحادثة.

ضمن هذا الكونية اليوم فانها تكشف ان الفكر الإنساني المعاصر في دينامية وتواصل كوني فهو لاخر حصيله محصلة التجارب الإنسانية الفردية والجماعية عبر مختلف العصور، وما مرّ به من تطورات قادت إلى الصورة الفكرية والحضارية السائدة في الفكر الإنساني المعاصر.

الذي جاء في محصلته الختمامية يؤكد فيها الباحثون ان الفكر الإنساني على تحديد مصادر المعرفة الفكرية الإنسانية السائدة فيه هي  أربعة مصادر رئيسية تتمثل في

1-                       المصدر الديني وتنسب إليه المعرفة الدينية والمستمدة من الرسالات السماوية وغيرها.
2-                       المصدر العلمي وتنسب إلى العلوم على اختلافها، والتي تمثل حصيلة الخلاصات على مستوى نتائج البحوث والتجارب العلمية في مختلف العلوم.
3-                       المعرفة الفلسفية والتي تقوم على تصورات ذهنية منطقية تسعى إلى تفسير الواقع، أو تقديم تصور ذهني يسعى العقل لبنائه على أرض الواقع.
4-                       المعرفة الابداعية أو الفنية.

إن تفاعل هذه المصادر المعرفية وتكاملها أو تنافرها في بعض الأحيان، وانفتاحها أو انغلاقها عن بعضها البعض قد ترك أثره على مسيرة تشكيل المعرفة الإنسانية على مستوى العالم، وعلى مستوى الجماعات القومية، أو على مستوى الفرد ووعيه بنفسه وبالآخر، في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات التي شهدها العالم خلال القرنين الماضيين والتطورات المعاصرة على مستوى تقانة=تكنولوجيا المعرفة والمعلومات بات ((الانفتاح المعرفي الإنساني سمة العصر)) ((والانغلاق المعرفي بات سمة من سمات الماضي)) المتعارض مع جملة المتغيرات الإقليمية والكونية فكرياً ومادياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ...الخ، من حقول العلاقات الإنسانية الفردية والقومية والدولية، وقد بات يمثل الانفتاح المعرفي المبني على تعدد مصادر المعرفة بأشكالها وأنماطها لدى الفرد والمجتمع أساس البناء الفكري والثقافي للفرد وللمجتمع على السواء، وطبع المجتمع الواحد والمجتمعات المختلفة بسمة التنوع والتعدد الثقافي والفكري والمعرفي ، مما جعل الانفتاح المعرفي بات يمثل حالة التوازن الفكري لدى الفرد والمجتمع على السواء، كما أسس إلى معرفة أكثر دقة للذات وللآخر، سواء كانت هذه الذات فرداً أو جماعة، وأصبحت تمثل هذه الحالة من التوازن الفكري شرطاً أساسياً للتطور والتقدم الفكري والمادي على مستوى الفرد والمجتمع، مما يقود إلى تطور العلاقات الإنسانية والاجتماعية بإتجاه الحد من الصراع الداخلي وتهذيبه بإتجاه إقرار وضع اجتماعي أكثر ميلاً نحو العدالة الاجتماعية والحرية الفكرية على أساس من التنوع والتعدد في إطار الحفاظ على وحدة المجتمع وتفاعله مع المجتمعات الأخرى كوحدة اجتماعية واحدة.

لكن في مقابل الانفتاح المعرفي تبرز قوى متضررة مما يحدثه الانفتاح على مستوى الفكر وعلى مستوى البنى الاجتماعية وعلاقاتها الداخلية والخارجية فتقف موقفاً معارضاً أو معاديا تجاه أي من التحولات والتغيرات المجتمعية السياسية والاقتصادية والسلطوية، مما جعلنا نقف ازاء الحديث عن المختلف لكنها بمازات حالة التطرف هذه التي تظهر عبر موجات من العنف الاصولي الذي يرفض التعايش مع التحول معتمدا وسائل عنف قوية تتهم أي تحول بالمروق عن الشريعة وتاثر بافكار الاخر وبالتالي يمثل مروق تريد يقافه باعتماد العنف الرمزي والمعنوي من خلال اليات الولاء للجماعة وقيمها والبراء ممن يقف ضد تلك القيم التي تمثل بنظرها السنة التي سارعليها السلف ، مما يجعلها تشرعن قتله وازاحته رمزيا بالتكفير مما جعل بعض المفكرين يصفون هذا " المد السلفي أن ترك تنمو بلا حدود، لا بد وأن تؤدي إلى ما هو أبشع"
فهذه الوتيره من الافكار الرافضه والتي تتسم بكونها أيديولوجيا كراهية الآخرين، وبالتالي ترفض التحول وهي تفترض نمط من القراءة للتراث تنفي عنه صفة التاريخة وتريد ان تمنحه الشمولية وترفض ان يكونه هناك توصيف له بالتاريخية فانها بالتالي تشكل وتنتج حالة من الجمود والانغلاق الفكري يتغذى بمصدر أو نمط فكري واحد  من أنماط المعرفة الفكرية، ويتمترس خلفها أو تحت ستارها ليبرر استمرار مصالحه  التي أسقطها الانفتاح الفكري وآلياته القائمة على التفاعل الفكري من مصادره الأربعة فالتفاعل الإنساني على مستوى الذات والآخر، وهذه القوى تقف عادة في وجه كل تغيير يهدد امتيازاتها القائمة، فيصبح الجمود الثقافي والفكري لديها ميزة تدافع عنها، وتخلق لها المبررات لاستمرار امتيازاتها وسلطاتها الاجتماعية وغيرها، وقد يقود انغلاقها الفكري إلى جمود المجتمع وتخلفه أو إلى تمزق الوحدة الاجتماعية إلى قوى تجاري الانفتاح وأخرى تعارضه، وبالتالي تهدد وحدة نسيج المجتمع، ما يتيح المجال أمام هذه الحالة لظهور أعراض أمراض فكرية ومجتمعية قد تصل إلى حالة من الغلو والتطرف الفكري الذي يؤدي إلى استخدام العنف في وجه الآخر،يجعلنا نقف ازاء ثلاث قراءة اخرى مختلف تحاول ان تمنح التراث عمق وجداني وراسمال رمزي لكنها تعيد انتاجه بشكل مختلف ، بين:القراءة السلفية ودعاتها (وهي مولدة للهويات القاتلة "والقراءة الليبرالية ودعاتها يسقط المجتمع بين متراسان دوغمائيان مما يجعل المجتمع يواجه تصدع وينفرط العقد الاجتماعي للمجتمع والدولة بين محافظ لا يريد التغيير، وبين منفتح يسعى إلى التغيير والتطوير، وبالتالي لابد من ضبط إيقاع التغيير الحتمي للمجتمع على مستوى العلاقات الإنسانية في المجتمع الواحد على أسس من الحوار الإنساني، والقائم على المبدأ الأساسي في الحوار والذي أرساه قوله تعالى: ((وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) حتى تتم عملية التحول والتغير التي تفرضها سنن الكون بصورة سلسة وسلمية بعيداً عن العنف الداخلي الذي قد يهدد المجتمع أو العنف الخارجي الذي قد يهدد بنشوب الصراعات والحروب بين الدول والجماعات المختلفة، إن الجماعات الفكرية المنغلقة فكريا هي ذات فكر أحادي المصدر والشكل والنمط ، ويقود لا محالة إلى انتاج شكل معرفي جامد مغلق، وبالتالي إلى مجتمع جامد مغلق عاجز عن التفاعل مع المجتمعات الأخرى ولا يستطيع الاستفادة من تجاربها ومن تطورها وتتشكل لديه نظرة الخوف والريبة من الآخر والخوف على الذات، ويضع نفسه في حالة من حالات المواجهة مع الذات ومع الآخر مما يؤسس إلى نظرة الكراهية للآخر، كما تؤدي عادة إلى محاولة إعادة إنتاج أنماط معرفية وحياتية ماضوية تتعارض مع سنة التغيير والتطوير التي فطرت عليها البشرية مصداقا لقوله تعالى: ((لولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض)).
فالانفتاح المعرفي يعد ضرورة لمواكبة الفطرة الإنسانية، ومواكبة جملة المتغيرات والتحولات التي يشهدها العالم باستمرار، وضرورة لاستيعاب حركة التقدم والتطور في كل الميادين الحياتية على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، والذي يمثل سمة العصر.

فهذه الاشكالية بين الخطابين السلفي بكل اندفاعه الحركي المسلح والخطاب اليبرالي بكل تاطيره الايديولوجي فبين خطابين ليس بينهما حاله من التكافؤ في القوه الا انهما يمثلان خياران مختلفان فلابد من بزوغ وعي عقلاني يحاول تاطير خيارات التعايش ومواجهة حاله التطرف فالوعي رهان المثقف؛ لهذا أجد أنّه مهما اختلف المثقفون مع بعضهم في وجهات نظر ثقافية أم سياسية، فستبقى مسؤولية وشرف أيٍّ منهم مقرونتان بحرصه على توسيع مدى حرية زميله المختلف معه.. مثقفونا أو أغلبهم يشذّون عن هذه القاعدة الذهبية المقدسة. التي قامت عليها فلسفة التنوير ؛ بالمقابل انقلبت المقولة في زمن الصراعات المذهبية والإثنية. والدافعُ الحقيقي هو المصلحة وإنْ أخذت قالبًا يتنوع بتنوع الفكر السائد فأصبحت المقولة اليوم: " أنت عدوي الذي ينبغي دحرُه وتسفيهه وتشويهه ما دمتَ مختلفاً معي." مقولةً تُخفي عقلية التغالب التي تشكل وجودًا عميقًا في واقعنا الثقافي والسياسي والديني الذي وصل إلى حدّ تجاوز ما استقرت عليه الإنسانية بكل أعرافها فأصبح القتل سهلاً ومبتذلاً إلى حدٍّ متطرف. وفي زماننا صار للقتل أشكال وآليات متنوعة إلى حد بعيد تتعارض مع المعاير الأخلاقية التي تتنافى مع معايير الحوار والتعايش والتداول والعمل والمصالح الحياتية، وقد تحدّث سقراط، في فلسفته الخلقية، عن عدد من الفضائل التي تلي المعرفة وهي رأس الفضائل عنده، ومن هذه الفضائل العمل فالعمل. هو السبيل لكي يحصّل الإنسان ما يحتاجه في حياته من أمور أساسية، وألّا يعتمد في ذلك على غيره. والعمل يجعل الإنسان في احتكاك مع معطيات وأحوال الواقع المعيشي مما يزيد معارفه في ما ينبغي أن يتعرّف عليه، وفي كل ما يرتبط بحياته وواقعه،نعم العمل والحاجة إلى سد الرمق قد تكون مهمة في تجنب العنف والكراهية، أي لابد من التأسيس للتواصل الحياتي القائم على معايير العيش المشترك الذي من أهم ضرورياته الابتعادُ عن التوظيف الرمزي العنفي للخلافات السياسية والدينية التي تبدو كأنها صراعٌ وجوديّ، بل علينا النظرة العملية التداولية التي تجعلنا نتحول من أداة للعنف تجعلنا مجرد وسيلة في يد العقل الاستراتيجي للفِرَق والقُوى المهيمنة الأداتية إلى صانعي سلامٍ وممارسي آليات الحوار التي لا تجعل شيئًا يعلو على مصلحة الناس واستمرار عيشهم المشترك في فضاء عمومي رحب تداولي .
ويجعلنا ايضا ان نتعامل مع الدين تعامل جديد مختلف بعيدا عن التوظيف السياسي العنيف او النفي المتشدد لكن من خلال معيار ثالث قدمته فلسفة الدين انه معيار الدين العقلي بكل انفتاحه الكوني الايماني .انه نمط من التامل النقدي الذي يتجاوز التزمة السلفي والتزمة العلماني لذي يهيمن به العقل فالرؤية الجديدة تتجاوز التمترس حول العقل الى مابعده فالسؤال يضعن مباشرة ازاء السماء والارض استحضار الله في داخلي فيحدث دمج بين الله والانسان دون تسلط او اغتراب روحي ، فاستحضار العامل الدستوري لن الحاكم السياسي همه ادارة المجتمع وليس من حق الحاكم في ظل الخطاب الكوني للعوملمة ان يفرض طقوسدينية معينه على الاخر بالقوة وليس من حقه ان يمارس العنف برعاية المقدس للعنف الرمزي ، لاننا نعيش في ظل مجتمع تعددي ، فكل قراءة دينية لابد ان تكون مقيده في انتاجها تفسير للكون بقيم العلم وليس من حق هذا الرجل ان يفرض تفسيرات لا توافق منطق العقل في تفسير العالم . كما ايضا ان ليس من حق السياسي اليوم ان يمارس السياسة استنادا الى مقدمات دينية متعالية عن الزمن فمهمه السياسي ان يسوس حاجات الناس في هذه الحياة وليس النجاة في الاخرة لان هذا الامر مرتبط بتجاربهم الروحية وهي شان فردي او جماعي داخل المؤسسة الدينية وهي مستقلة عن الشان السياسي .

لكن نحن اليوم نواجه رؤية مخالف لهذا الطرح العقلاني الوسطي أي الدين العقلاني اننا نواجه تطرف رغم اختلافه الا انه متازر معا ويشكل قراءة متمركزه على الاقصاء والنفي للاخر الاول المشروع الذي ينبع من الغرب انه المشروع الامبراطوري الامريكي الجديد والذي يريد ان يفرض وصايته على الاخر فكريا واقتصاديا واعلاميا ، وبين المشروع الاصولي الذي يقدم قراءة تنفي كل ماهو حديث وتحاول تقديم قراءة تنفي الاخر وتكفره سواء جاء من الاخر او الدولة المحلية او المجتمع المعار المنتمي الى افقه التاريخي فهو مجتمع كافر لابد من اسلمته وتطبيق عليه القراءة التي يراها الاسلام السياسي ، والتي تاتي من خلال الحاكمية الله عبر الشريعة التي يحتكر تطبيقها الاسلام السياسي ، ويتخذ منها مشروعيه بالدفاع عن المقدس متجاوز التاريخية للمقدس ومحتكل تمثيله على المجتمع بشكل يتعارض مع الفهم الدستوري الذي ينطلق من حاكمية الامه على نفسها واختياراها للتحول الى حاكمية الله والحاكم الشرعي الذي على الامه التسليم والطاعة له .

بين الشمولية الامريكية والاسلام السياسي بكل اطيافه ثمة تشاكل في انهما يعتمدان احتكار الحقيقة ويطالبان الاخر الخضوع لها يتضامنا بخلق اجوار الرعب وصناعة العدو النمطي ويخلقان شقاق بالسلم الكوكبي ويهددان المنتج الانساني ويخلقان العداوة بدل التعاون .

هنا علينا أنْ نبحث عن إمكانيات من أجل تأسيس فضاء عمومي كما تصوره (كانت) و(هابرماس) قائم على التداول السلمي والعقلانية والحوار بين كل الأطياف من أجل صياغة حياة سياسية وثقافية تتسم بالتنوع والتعددية، وتؤمن بالتعايش في ظل أفق قانوني دولي يمثّل العرب والعراق جزءًا منه وهو وريث القيم الحداثية القائمة على المواطنة وفلسفة القانون التي ظهرت مع الثورة الفرنسية. واليوم وقد تجلت عالميا في - الاعلان العالمي لحقوق الانسان - وقد نصت المادة 19 من مبادئه:" إنّه لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير عنه، وهذا الحق يتضمن حرية اعتناق الآراء بدون تدخل خارجي، وحرية البحث وتلقي وتوزيع المعلومات والأفكار بكافة وسائط النشر والإعلام." وهو أمر أصبح ضاغطًا وله مرجعيته؛ فلذا علينا أنْ نصغي إليه ونحن نسعى إلى تأسيس  تعاقد اجتماعي جديد، فعلينا تأكيد الإرادة الحرة والحريات، إذ هناك اليوم حاجة ماسة للتصدي إلى الامور الآتية:

أولا : (الحريات) إذ هناك إجماع لدى المراقبين لما يدور في العراق وهو: إن حرية الرأي في العراق، سواء بالنسبة للصحفيين أم للأفراد ماتزال غير مكتملة، فهاجس الخوف ما يزال قائمًا من احتمال الاستهداف لكل من يريد إبداء رأيه إزاء قضية ما. وبعضهم على الرغم من اعترافه بهذه الحرية إلا أنه يصوب العوائق إلى ملكية وسائل الإعلام التي تهيمن عليها إرادة سياسية تابعة الى أحزاب في السلطة أو خارجها، ومن الطبيعي أنّ هذه الوسائل الإعلامية تغض الطرف عن أخطاء أحزابها أو المسؤولين التابعين إلى تلك الأحزاب، موضّحا أن الصحافة في العراق تنقسم إلى صحافة تنتقد الظواهر بشكل عام وأخرى تمجد الأحزاب التي تمولها.

هذا ما يجعلنا نرصد الواقع ونطالب بالمزيد من الحرية والنقد؛ لأنهما الوسيلة المثلى من أجل بقاء الوطن واستمراره كبلد ديمقراطي تعددي. هذا نقد علمي يجعلنا بعيدين عن الانفعال؛ لأنّ الانفعال يجعلنا أقرب من العاطفة وأبعد ما نكون عن العقل والعقلانية .

الثاني: (الفساد) أما في توصيفنا للنظام الديمقراطي فإننا نجد أنه يقوم على عامل أساسي هو الجانب المعنوي في سلوك الأفراد القويم الذي يجعلهم يرهنون سلوكهم بمرضاة الأمة التي يحتكرون تمثيلها، فلابد من أفقٍ معنوي يصنع تلك الشخصيات، ويوجه سلوكها، ويجعلها تمتلك قيمة معنوية تقوم على نكران الذات ومحاسبة النفس وكلما أوغل السياسي أو الممثل البرلماني في الجانب الشخصي والمادي كان أبعد مايكون عن الديمقراطية وقيمها؛ لأنه يغلّب مصالحه على مصالح الأمة، وهذا يجعل النظام الديمقراطي يفقد المصداقية في عيون الناس .

فهذا يتطلب زهد ونكران الذات إلى جانب المراقبه القانونية والإعلامية التي تحول دون توسع الفساد .

الثالث: (الرؤية التعددية) الأخلاق والقيم الضرورية للمجتمع الديمقراطي - إذا أردنا التوصيف- فيمكن أن نقول: بأن الأخلاق الديمقراطية تتلخص بكلمة واحدة هي (السماحة)، فهي الصفة التي إن وُجدتْ في المجتمع حقّ لنا أن نسميه مجتمعا متعاونا؛ لأن السماحة وتقبّل الرأي الآخر هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها أن نتعايش مع الآخر ونتعاون معه على ما نتفق، وحتى إذا اختلفنا في الآراء والتوجهات تبقى السماحة هي صمّام الأمان الذي يضمن فضّ النزاعات بوِدّية مهما كانت حدتها. والتي تقتضي بالضرورة (التحمّل والمداراة) مِن الحكومة والأفراد تجاه الرأي المخالِف في الحقل السياسي أو الديني أو أي شيء آخر؛ لأنّ هذا الاعتراف الرسمي بحق الآخر في مشاركته الحياة السياسية العادلة يعني إشعار الآخر بالمساواة بعيدا عن الإقصاء لكن شريطة أن يتقبل الآخر النظام ويعترف به ويبتعد عن العنف والنظرة الشمولية التي تستبطن الإقصاء وعدم الاعتراف والتمرد. مما يعني الاعتراف بإرادة الأغلبية وترتيب الأثر عليها في دائرة العمل والتطبيق، فلابدّ - إذن- من الأخذ بنظر الاعتبار الحقوق السياسيّة وغير السياسيّة للأقلّيات في ذلك المجتمع. لكن تبقى إرادة الأغلبية ليست أبدية بل هي رهينة مقبولة بشكل مؤقّت وتكون معتبرةً إلى زمان الحكومة التالية، فربّما يتمّ استبدال مقرّرات بمقرّرات أخرى، فالمقرّرات السياسيّة ليست دائميّة، بل هي رهينة الأمة والفعالية الانتخابية وهذه هي أهم القيم لنظرية "سيادة الشعب"وخارج هذه السيادة يعني التبادل العنيف، ومن ثمّ النفي والمطالبة بالإزاحة الرمزية والوجودية على أسس طائفية تقوم بجعل المنتمي لوطنه غريبا، والقريب للطائفة - وإن كان خارج الوطن- قريبا، فإنّ هذا النفي لايولّد إلا سلب الآخر حقه على أسس المواطنة .

الرابع: (تأسيس للفضاء الديمقراطي) ومن أجل تحقيق النظام الديمقراطي في واقع الحياة يجب أن يتحلّى أصحاب القدرة أيضا بهذه الأخلاق والقيم، فهذه الأخلاق والقيم ينبغي أن تجري في أوصال الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة، وهذا لا يتيسّر إلّا إذا تمّ تزريق هذه القيم والأخلاق الديمقراطيّة في مناهج التعليم والتربية السياسية والاجتماعية للأفراد، سواء أكان في محيط الأسرة أم في المدرسة أم في الجامعة وحقول العمل الاجتماعي الأُخَر، فالناس ينبغي أن يعيشوا هذا الجو، حيث إنّهم عندما يسلكون الحقل السياسي، فإنَّ تحمّل الآخرين يبدو لهم أمرا طبيعيّا، ولا يكون أمرا صعبا جدّا وغير عادي. فإذا تحمّل الإنسان المخالف له في المدرسة فعندما يصل إلى مقام سياسي يكون بإمكانه تحمّل المخالف له برحابة صدر، ولكن إذا كان ذهنه في المدرسة مشحونا بعنصر التعصب والدوغمائية فإنّه لا يتحمّل من يجلس إلى جانبه في البرلمان والحكومة ويخالفه في العقيدة السياسية، فهذه الأمور يجب أن تتكرّس وتتوغّل في واقع المجتمع وتدخل صلب عملية النظام التربوي في المجتمع.

الخامس : (الإرهاب) ضمن حدود الممكن السياسي لكن في ظلّ حماية الدم العراقي فهو المقدّس الوحيد فوق الجميع حتى الوطن يجب أن نعيد النظر في الخطابات القائمة على النظرة التضحوية الشمولية وإحلال الحرية والعدالة والوسطية حتى لو تعارضت مع بقاء الوطن كمكوّن بلا روح، فالوحدة لاتعني الهيمنة بل التعددية والمشاركة وألّا تحوله إلى كابوس؛ لأننا ساعتئذ علينا أنْ نبحثَ عن حل عُقَلائي يبعد عن الناس العنف المفرط الذي يهدد وجود الشعب العراقي وهو يتعرض إلى الإبادة. نعم الإبادة هناك، علينا أن ندرك أن هناك حراكًا إقليميًّا من أجل إبادة مكونات معينة من هذا الشعب، فعلينا أنْ نفتح حوارًا مجتمعيًّا واسعًا لمناقشة المصير؛ لأن المهمّ هو الإنسان، وهناك مسؤولية أخلاقية وشرعية على من يتصدى إلى هذا الأمر أو يناقشه .



الجمعة، 22 فبراير 2013

الفرد وروح التعايش والأمل


الفرد وروح التعايش والأمل
" الفرد وذهنية التسامح "
ح1
                                           د. عامر عبد زيد


في هذه الأوساط التي تعج بالعنف والإقصاء التي تترك ظلها عميق في خلق التوتر والاغتراب نحن بحاجة لمواجهة كل هذا بالأمل بالانعتاق والتحرر من الاحتلال الإرادة وهذا يفترض بنا أن نغرس في النفوس ذهنية جديدة تقوم على ملفوظات جديدة يغايرلما هو عالق في الذهان والذي ترك الانقسام والتمركز حول متاريس الذات والخوف عليها من الموت في فضاء مشبع بكل هذا الذي تعانيه.

الأمل تلك الطاقة التي غرسها الله فينا منذ الأزل وهي ذاتها التي تجعل الحياة ممكنة بل أن الأمل باب لولادة اليقين ونافذة لتحقق المعجزات التي تخلق في النفس الظفر والشعور بالتفوق ورغبة في مواصلة الحياة والقدرة على الصبر والمطاولة .

والأمل يقوم بنظر علوم الطاقة والإرادة على ثلاث ركائز هي :

 أولا – الطاقة وهي الدافعية الداخلية التي تعمل على تحفيز الإنسان وهي تولد ذات الإنسان بوسائل عديدة منها ماهو سلبي من حيث المصدر عبر إخضاع الآخرين إلى التأنيب والإذلال ساعتها تتولد طاقة مصدرها الشعور بالهيمنة أو تلك الطاقة المتولدة عبر النقد للأخر فهذه تولد داخل الفرد طاقة تجعله يشعر بأهميته عبر إظهار التأثر والخوف لدى الآخرين منه ، وللطاقة أيضا مصادر أخرى ايجابية منها اكتشاف الذات وقيمتها والأيمان بقدراتها الداخلية وهذه تزرع الأمل بالتغيير .

ثانيا – الدافعية ، أي الأهداف التي ترجو تحقيقها إذ تكون الدوافع حاشة على العمل منها الرغبة في حب الذات والحصول على فرصة إسعادها سواء كان ذلك بالحصول على مرضاة الله وثوابه أو الحصول على الشعور بالأمان النفسي والاجتماعي عبر الرغبة في تحقيق نجاحات اجتماعية وسياسية ومادية التي تتصف جميعها كونها دافعة للعمل والدوافع متنوعة روحية أو مادية فردية أو اجتماعية ذات طابع جمعي

ثالثا- المهارات ، وهي كل ما يكتسبه الفرد من محيطه مثل مهارات اللغة ومهارات العلاقات الاجتماعية الناجحة بالآخرين والمهارات الفنية والمهارات النفسية والاجتماعية والرياضية والفكرية واليدوية أنها مهارات تترك اثر في قيمة الإنسان وأهميته داخل الفضاء الاجتماعي الذي يعيش في كنفه متمثل بقدرته على التوائم مع صيرورة هذا المجتمع وقدرته على التكيف معه .

     أن العمل على تثوير كل هذا بالاعتماد على الإرادة التي يكتنزها العقل القادر على تحويلنا إلى كائنات أكثر قدرة على مواصلة الحياة ويساعدنا أن نكون أكثر قدرة على مواجهة التحدي عبر الاستجابة إليه .

لكن هذه القدرة الخلاقة غالبا ما تصطدم بحالة من العجز نسميها نحن ( الخوف ) أن هذه اللفظة لها معنى دلالي يشير إلى دلالة خارجية متمثلة بجملة من الوقائع هي الخبرات اليومية الفردية والجمعية والتي تحولت من تجارب إلى خبرات عبر تحولها إلى ماضي

إلا إننا نحولها من تجربة ماضية إلى صفة يتم إلصاقها بالموصوف وكأنها لسان حاله العجز والتردد والجبن في حين انه الخوف هو معنى أكثر منه واقعة خارجية انه فعالية شخصية تجاه تحديات خارجية تحوله إلى حالة لفعل فاعلية التكرار لمواقف متباينة يتم تصنيفها تحت عنوان الخوف وما هي في الحقيقة سوى خبرات ماضية تتسم بالذرية ( الفردية ) وعدم الترابط لكن ماهو معنى الخوف انه شعور ذاتي يتشكل عندما تشعر الذات أنها مهددة من الخارج يتولد منها حالة إحباط من أمثال ذلك الخوف من الفشل دون النظر إلى طبيعة الظرف الذي تولد عنه تجارب الفشل السابق أو الخوف من المجهول الذي ينشر في الذات شعور بالتهديد فالخوف الذي يتولد من فعالية اصطدام الإرادة الفردية بالمنظومة العرفية والاجتماعية مما يولد الشعور بالوهن والانخذال الذي يترك داخل الفرد خوف على ذاته من الفشل أي كان قبل القيام بأي تجربة بفعل عوامل الازدراء أو السخرية والإقصاء للفرد من قبل عائلته أو محيطه الاجتماعي . أن العلاج يكمن في توصيفات متداخلة تنطلق من الذات لأنها تعتبرها صاحبة  القدرة على التأثير بالمحيط والتفاعل الايجابي معه ..وهذه التوصيفات تكمن في التالي :

        تغيير طريقة التفكير : علينا أن نعمل على تركيز أذهاننا في اتجاه معين دون لبس أو تشظي لان المخ يعمل باتجاه فالتركيز في تحيد مسار التفكير ضروري لأنه يحدد الغاية المرادة من التفكير وهذا لا يتحقق إلا بوضوح الرؤية التي تتطلب الصبر والنية الواضحة فالأعمال مرتبطة بوضوح الهدف الذي تقوده الإرادة التي تمتلك النية وهذا يعني الصدق في العمل ويعني كذلك أن يكون العمل مخطط له بوضوح ودقة هذا يرتبط بالتفكير والنية والرؤية المرتبطة بالخطة القصدية ويمكن صياغة هذه بالثلاثية آلاتية القصدية ( النية) ، الخطة ( الرؤية ) ، الغائية ( القصد الخير ) هذه الثلاثية تأخذنا إلى الأبعاد آلاتية :

1-     القصدية ( النية ) أنها تولد الدافع فالقصد يجعل فعالية التفكير قسي أي عمل ليس بمسألة عبثية بل عمل مقصود لذاته متمثل بالنية فان وضوحها يجعل الفرد يسعى إلى عمله بقصدية عالية فهو يولد الثقة القائمة على وضوح الهدف الذي يبعد عن الجهد التشتت رابطا الفرد بالهدف مثلما هو حال الكثيرين الذين يعيشون يومهم بلا قصد واضح وهدف معين ولتحقيق هذا لابد من الاقتناع بالهدف عبر مسآلة الذات هل هذا الهدف يستحق تلك التضحيات والصبر من اجله وهل الذات على قدر المسؤولية حنى تقوم بهذا العمل ، أي المقارنة بين قيمة الهدف وبين مقدرة الذات على القيام به وبعد ذلك يتولد الاقتناع بقيمة الهدف ومقدرة الذات ولتحقيق ذلك لابد من تدريب الذات على الايمان بقدراتها على تنفيذه عبر فعالية تصور المصاعب عبر التخيل وتوليد القدرة على ترويض الذات بالتخيل الفكري ثم الانتقال والإلحاح على تطبيق ذلك معززا بالأيمان بقدرات الذات التي تتصف بقدراتها الباطنية ونيتها الصالحة التي ترجو مرضاة الذات والله والمجتمع .

2-    الخطة ( الرؤية ) لكل فعل أو نية لابد من وضوح في الرؤية حتى يتحول إلى خطة تقو السلوك من السلب إلى الإيجاب من الاغتراب إلى الانتماء ومن الإحباط إلى الايمان بالقدرات الذاتية لتحقيق كل ذلك لابد من وضوح الرؤية لكي تتولد عنها قصدية ( نية ) .

والخطة تقوم على ثلاثة ركائز: وضوح الهدف ، توفر الدافع ، امتلاك المهارات والقدرات على تحويل الفكرة إلى فعل . كيف تحول هذه الخطة إلى رؤية تؤطرالعمل وتعمقه لتصبح القائد فيها الرؤية للسلوك ،

أ-      بالتفكير الخلاق الطموح القائم على تدريب الذات عبر التخيل الابتكاري المرتبط بالتدريب على التنفس .

ب‌-       الايمان بذهنية التسامح كرؤية تزيح عن الفرد أي أدران أو أحقاد ضد الآخرين لان الكره يبدد الطاقة ويضعف العزيمة
ج‌-   ومن ثم العمل على اكتساب المرونة في الفكر والعمل لانها تطور الذات وتجعلها قادرة على المواجهة عبر التطور الدينامكي . وتجاوز عوامل الخوف وإزالتها من أمام الذات عبر الايمان أن الفشل ليس صفة لصيقة بالذات بل هي تجارب سابقة مرتبطة بطرحها الذي قد يكون فاقد للوضوح في النية والغاية والرؤية تسلل في الفشل أما زالت تلك الأسباب ممكن تحقق المراد بالصبر والممارسة التي تحول الفكر إلى واقعه.

ثانيا – آليات تطوير الذات : أن من الآليات المعتم في تطوير الطاقة للفرد هي :
أ-      التخيل الابتكاري : انه يقوم على وقوع الإحداث عبر التخيل ويتم من خلال ذلك مواجهة المواقف الصعبة وتدريب الذات بالصبر عليها .
وهو شبيه بأحلام اليقظة من حيث العمل إلا من حيث الغاية ، لان الأخيرة يمثل حالة نكوص على الذات بدل الإقدام على العمل تحاول إشباع حاجاتها عبر تخيل تحققها مثل الرغبة بالنجاح في العمل أو في الدراسة أو في بناء بيت المريض يدلان يخطط ويعمل انه يهرب إلى أحلامه التي يحققها عبر التخيل .

أما التخيل الابتكاري فانه فعالية ايجابية تقوم على تخيل صعوبة ما ثم معايشة المشاعر المصاحبة لها ثم ترويض النفس على تقبلها والانتصار عليها فهي تدرب النفس على القيام بالتجارب ذهنيا ثم تنفعل أجهزة الجسم عاطفيا نتيجة تلك التجربة ثم السيطرة على الانفعال ونتائجه . والعمل على تجاوزها / أنها تولد القدر على مواجهة المشاكل المماثلة والسيطرة على الانفعال المصاحب لها .

وفي نفس الوقت الذي يمكن تخيل المواقف السلبية يمكن تخيل المواقف الايجابية وهذه تولد مشاعر جيدة تكون دافع للقيام بالعمل .

ب‌-       اختيار الظرف المساعد ويمكن أن نجده في :
1-    في النفس العميق الذي يمكن تكرره.
2-    في اختيار الأجواء الهادفة للقيام بالتخيل الابتكاري.
3-  اختار قدوات اجتماعية ودينية وتخيلها في تلك المواقف ونظر الى ما كان يمكن أن تتوقع فعلها ، ثم ادخل نفسك في ذات الصورة حتى تكون متمما هي مع النموذج الذي ترغب فيه.

ج-    تغير الذات من السلب إلى الإيجاب من مجرد النظر إلى العمل من التخطيط إلى الفعل الواقعي ، أن تحقيق النجاح فعالية بحاجة إلى أعادة النظربالاوضاع السلبية التي يمكن ان تصبك بالتوتر والاغتراب والسلوك العائي والعزلة أنها تفترض" تغير الصورة الذاتية" إذ كل إنسان يمتلك صورة ذاتية هي تجارب ومواقفه العاطفية تجاه ذاته وتجاه الآخرين رؤية لذاته وعلاقتها بالمحيط. لن العمل على تطوير الذات يعني كل ما سبق مما يفترض تجاوز تلك التصورات التي تستطيع إن تجاوزها عبر تجاوزنا الأوهام الاتية:
وهم الفشل : عبر إزالة الرؤية السوداوية وإحلال أخرى أكثر قدرة على صياغة المستقبل بالإرادة والأيمان بالله وبالنفس وبالمحيط انطلاقا من الذات أولا.
وهم القبيلة : ذلك الوهم الذي يشمل عادات وتقاليد وتصورات سلبية لذات المحيط تولد الإحباط  وإحلال أخرى أكثر معاصرة وتديم الثقة بالذات.

وهم الكهف : الذاتية المغلقة العدائية بتصور العلاقة مع الآخرين هي أما ضحية وأما جلاد ، وخلال ذهنية الحوار والتعايش والتسامح محلها وهذا الوهم يجعل الفرد يتوقوع خلق ذاته وكأنها في صراع دموي معه الآخرين من القتال إلى النميمة التي تناول هدم الآخرين .

وتجاوز هذه الأوهام يعني توفر الوضوح بالنسبة والهدف بالغاية والرؤية الواضحة القائمة على الواتر والتعايش مع الآخرين
وهم التردد والمماطلة : انه وهم يقوم على الكسب والعجز غالبا ما ينطلق من الشعور بالعجز الذي ينقلب حق اجتماعي ، أو من الرضى بالإشباع عبر أحلام اليقظة ، أو تحطيم إنجازات العاملين وتجاوز هذا الوهم عبر وضوح الفكر والتطبيق له . 







                                        إرادة الاعتقاد
                                            ح2                                 
 د.عامر عبد زيد

الإرادة هي في اللغة طلب الشيء أو شوق الفاعل إلى الفعل .إما اصطلاحا فهي الميل الحاصل على إيقاع الفعل وإيجاده وتكونه مع الفعل وتجامعه.
   ويقال الإرادة بمعنى المشيئة ،إلا أن المشيئة في اللغة هي الإيجاد ،وإما الإرادة هي طلب الشيء.
وهنا تظهر الإرادة رغبه في العمل والمشيئة تحققه ونرى هذا في الإرادة عند الصوفية هي أن يعتقد الإنسان الشيء ثم يعزم عليه ثم يريده وهي تسعة مظاهر
فالإنسان ينجذب إلى الشيء ويسمى "ميلا" فإذا قوى ودام سمي "ولعاً" ثم إذا اشتد وزاد فهو "الصبابة" ثم ازداد فهو "الوجُد" كقوله " ابي زيد البسطامي" سبحاني سبحاني طاعتك لي يارب اعظم من طاعتي لك "ثم إذا تمكن منه سمى "شغفاً" ثم إذا استحكم سمى "هوى" فإذا استولى على الجسد فهو "الغرام" ثم الحب . فإذا هاج حتى يُفنى الحب فهو "الوُدّ".
وإما الإرادة والحرية : ترتبط الإرادة بالحرية التي تعرف بوصفها قدرة على الاختيار بين متعددات وقدرة الاختبار . ولا توجد حريه بدون ارادة ما ، ولا ارادة بدون حرية.وتنتمي الارادة الى السلوك الانساني الذي يشكل في مجمله موضوع علم النفس . وترتبط الارادة بالواقع النفسي والواقع الخارجي والعلاقة بينهما علاقة فعل بمعنى ان تختار وتصل في حرية.
الا ان الارادة ايضا مرتبطة بأعتقاد ما يقيدها في رغبتها في التحقق العملي بوصفهما ميل الى التحقق والايجاب .
وهذا الاعتقاد مرتبط باليقين وكما يقول النبي (ص)" وان الصبر نصف الايمان واليقين كله" ، ويقول ان من ضعف اليقين ان ترضى الناس بسخط الله.
وكما يقول الامام علي (ع)"على قدر الدين تكون قوة اليقين" ويقول :"اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وسن اليقين".
وعلى هذا الأساس فان الاعتقاد نفسيا واجتماعيا بالتفاعل بالارادة فانه يظهر لنا  بنوعين هما :
_ الاعتقاد السلبي : هو جملة من المواقف العاطفية التي ترسبت في الذاكرة على اثر تجارب ماضيه او تربيه سلبيه شكلت صوره نمطيه عن الذات ، بوصفهما تفتقر الى الارادة الحرة ، لانها مكبلة بصورة سلبية تقيدها وتجعلها مستسلمة وبالتالي يهيمن عليها تلك الصورة وتولد لديها اعتقاد سلبي يقزم قدرتها على الفعل شيء ما وهذا الاعتقاد يقوم الى:
1- اعتقادات ماضيه سلبيه تولدت عن جمله من الاحداث الماضيه تركت اثاراً عاطفية في وجدان الانسان مفادها عدم قدرته على فعل ذلك الشيء.
2- اعتقادات المستقبل وهي الأخرى انعكاس لتلك التجارب الماضية يتم تعميمها على المستقبل بعدم قدرته على ضم ذلك الشيء مستقبلا فان هذا الاعتقاد وليد غياب كامل للاراده الايجابيه ويقين صلب واضح يعزز الثقة بالذات . بل تجد الانسان يحس باستلابه الكامل.
اما الاعتقاد الايجابي وامكانيه تحويل الاعتقاد السلبي الى الايجابي فهذا يقوم على احياء الثقة في النفس وخلق اليقين داخل الذات .
_اما على مستوى الاعتقاد الماضي يجب أن نتعامل معه  لا من زاوية عاطفية سلبية بل من زاوية اخرى أي كونه مستودعا للخبرات الماضيه التي يتم تولد مهارات وتجارب يمكن استثمارها في خلق تجارب جديدة وهذا الامر وليد . يتصور يقوم على البات ثلاث منها" الامل" بالمستقبل ثم وجود خطه واضحه ثم " الصبر " والة تفترض عزيمة على التغير ثم "التخيل" وهي اليه قادرة على الانفتاح على المستقبل عبر تخيله ثم التعايش مع امكانيه هذا المستقبل عبر تخيل امكانيه وقوعه
إما على الاعتقاد بالمستقبل إذا ما استمر الإرادة التي كما قلنا شوق الفاعل إلى الفعل بوصفه ميلا إلى الفعل وتحويله من رغبه إلى واقعة وهذا يتطلب مراعاة تلك الآليات التي تقوم الأمل بالمستقبل ثم التخطيط لجعل هذا الأمل ممكنا ثم العمل بالصبر والمطاولة على جعله فعلا واقعيا بإزالة الآثار السلبية المترسبة في اللاشعور عبر إرسال رسائل ايجابيه إلى الفعل الذي يعمل على العمل باتجاه واحد يؤثر على اللاشعور فإرسال شحنات ايجابيه سرعان ما تقدر الثقة بالذات ويولد اليقين بدل الفشل والإحباط ثم اعتماد المرونة التي تغير مواقفها الايجابية بحسب التحديثات مما يجعلها قادرة على الظفر فان غياب المرونة معناه حلول الفشل وتبخر الأمل بهذا .
فان أي مسالة يفكر بها الإنسان ويعمل على تصديقها عبر تعميق الاعتقاد بها فأنه يكون قادرا على تحقيقها فعليا . فباليقين يثمر الصبر لهذا ضرورة طرح الأفكار والهموم التي تبعث رسائل سلبيه بعزائم الصبر الذي يعني تشبث بالأمل.
فهما تغير المكان وتغير الزمان لا يمكن تحقيق النجاح إلا بتغير الذات من اعتقاداتها السلبية وصورها السلبية لتحل محلها اعتقادات ايجابية وصور ايجابية تعززها المهارات التي تجعل اقدر على مواجهة المستجدات والتغلب عليها وفي هذا يقول الإمام علي (ع) (رحم الله امرءً تفكر فأعتبر واعتبر فابصر) ويقول ثلاث من ابواب البر اشحاء النفس وطيب الكلام والصبر على الاخرى. فاعتبار المرتبط بالصبر لابد ايضا ان ينقل هذا عبر التحديد الواضح الى العقل الواعي باعتماد التمارين الاتية:
_ اكتب الاعتقاد الذي ترغب في تغيره ، ثم اكتب خمس من الأسباب تدفعك للبحث عن اعتقاد ايجابي .
هذا التمرين يمثل مناقشة مع الذات وإرسال رسالة إلى العقل تبين بها موقفك من هذه المعتقدات وتوجه إلى الايجابي منها .
_ اعد النظر في تقييمك لذاتك وإسقاطاتك والشعور بالعجز وتقد الذات .حاول ان تعيد الأمل بالتأمل بالجانب المشرق من ذاتك عبر تخيل نفسك في هذا الاعتقاد الايجابي وموقف المحيط الاجتماعي منك في صورتك الجديدة . هذا يعيد لك الأمل ويكشف اللامفكر فيه في شخصك . تأمل في كل هذا مع نفس عميق بعد ذلك عود إلى الحاضر في تخيلك ، حطم خوفك وإرهابك وتحرر من مخاوفك وعش حياتك بالأمل وابعد عن نفسك موارد الكائبة وأحسن الظن بالله وبنفسك.


كيف تبني نفسك
                                                         ح3                
  د.عامر عبد زيد

         لقد تعودنا الغاء الذات والذوبان في المجموع الاجتماعي وهذا امر له اثاره غير الحميده .بل على المرء ان يهتم بذاته ويتخذ منها محل اهتمامه الاول.
       لهذا عليك ان تكون محب لنفسك قبل حبك للاخرين ومعنى هذا ان تدرك النافع لها فتسعى لها اليه وتدرك الضار لها فتجنبه.
  دخل على رسول الله (ص) رجل اسمه مجاشع فقال: يارسول الله كيف الطريق الى موافقه الحق؟ قال:مخالفة النفس ، فقال يا رسول الله كيف الطريق الى رضا الحق؟ قال سخط النفس وحب الذات تخالف خصال الانانية التي منها ان صاحبها منكمش . قاصر اليد ذاتي متقيد بذاته لا يرى سواها ما ينفقه ضائع وهو يحسر عليه وعقله يري له الشهوات لان العقل لديه مطية الرغبة والشهوة.
وفي هذا يقول الامام علي (ع) "من شغل نفسه يغير نفسه تحير في الظلمات وارتبك في الهلكات ولم يعر نفسه" "ولا معرفة كمعرفتك بنفسك"
     اما حب الذات فهي تعكس سلوك مقدام جواد كريم بفكر بالاخرين لنفسه ومثال ذلك فعل المعروف لمرضات الله او الاصلاح الاجتماعي لهذا فما ينفقه باقي كحسنه عند الله ثوابها او رضى النفس او تراحم وتكافل اجتماعي وهو في كل افعاله عقله يحكم ذاته يحكم ذاته لا شهوته لانه مسيطر على غرائزه بما يناسب الشرع والاخلاق والقانون لمصلحة شخصية لكن كيف يمكن تحقيق محبه الذات والاتهام بها وتحديد علاقتها انطلاقا من ذلك اولا ولهذا كان من الضرورة في مكان ان يضع تصنيف لعلاقته مع الاخرين انطلاقا من ذاته حتى يتقيد بهذا التصنيف . وتعليل ذلك بسيط ليس كل الناس هم نسبة لك واحده بل انهم فيما بينهم متباينات.
واجل تحقيق محبه الذات عليك ان تحدد علاقتك بالاخرين عن طريق وضعك كروت"أي تنظم كروت لكل شخص كرت بلون محدد" تبين طبيعة العلاقة معهم حتى تتقيد بهذه كروت إثناء تعاملك معهم.
اذ ليس كل الناس بنسبة واحدة بل هناك تدرج لوني
-        النافعين أو أصحاب العلاقة الحميمة معك (كرت أخضر)
-        مفيدين لكنهم بعيدين عنك (كرت أصفر).
-        الناس بمعنى عام (كرت ابيض ).
-        الناس الذين يمثلون خطر عليك (كرت احمر).
فالأخضر الأصحاب المقربون فالأخضر حياة /خضره علاقة مهمة إما الأصفر لون شاحب لعلاقات مهمة إلا أنها ضعفت أو ابتعد أصحابها إما اللون الأبيض كل الناس وهم علاقات عادية عامة .
إما اللون الأحمر هم خصومك أعداؤك الذي يقفون ضد مصالحك ويشكلون خطر عليك ان تنتبه لهم.
هذه الالية في العزل واليقين تحقق لك.
-   حتى لا تكون علاقتك بمستوى واحد وحتى لا تخلط بين الناس وبالتالي تضيع الوقت والمال في علاقات غير ناجحة فالعلاقات المتشعبة تجعلك لا تميز بين المهم والاهم والعادي والصديق والمعادي ( الخطر).
-   فإذا كانت علاقتك قائمة على التزامات متساوية فعليك أن تركز على التزام الأخر اتجاهك . فلكل شيء ثمن مادي او معنوي والعطاء بدون مقابل يقود الى تبخيس قيمك وضياع وقتك ومالك ووقتك في علاقة فاشلة . ومن اجل أن تعرف حقيقة علاقتك مع الآخرين عليك إن تختلي بذاتك وتعيد تأملك بعلاقاتك وفوائدها ومضارها  انطلاقا من حبك لنفسك .
-        وقات الخلوة دائما وإثناء الصلات في الصبح والمغرب
-   ومن علائم المقارنة انطلاقا من ذاتك في التمييز بين الإنسانية ومحبة ألذات فيما يتم الأول بالضلالة والأنانية نرى محبة الذات مؤمن مهتدي قولا وفعلا .
-   ولايمكن للفكرة أن تنصح بدون أن تفعل كسلوك عملي فالمفاهيم لابد أن تعاش سلوكا لا إن تكون قولا بلا تطبيق لأنها تغدو بلا عمل كوعاظ السلاطين وهذا الكلام ملخص تنظيم الجهد والمال والعمر في علاقة طبيعية مثمرة وحياة سعيدة خالية من المنغصات بسبب إهمال ألذات وعدم الاهتمام بها ، كن في كل حياتك هاديا ومهتديا تدرك مطلبك وان طال وتصل أليه.