الاثنين، 17 سبتمبر 2012

المرجعية الدينية في النجف الاشرف



المرجعية الدينية في النجف الاشرف
مقاربة في الوظيفة التاريخية وضرورات الاستثناء
  
    المقدمة :
يعد تراث الأمم الفكري المكون الأساس للعقل المعرفي الذي يميزها ويكون الباعث وراء اختياراتها بحيث يعتمد في تفسير السلوك الفردي والمجتمعي لحاضر تلك الأمة ومستقبلها, وينقسم هذا التراث إلى الأصول  النظرية والتطبيقات العملية لتلك الأصول أياً كانت درجة التناظر كما ينقسم الى التراكمات الاولى (التفسيرات الاساسية للاصول)و التراكمات المتعاقبة التي تشكل عموم البنية الفكرية. والمرجعية الدينية في النجف الاشرف من أبرز المؤسسات المنتجة لذلك التراث فهي تشكل مرجعاً موضوعياً ثرياً في تراث المسلمين عامة , ومدرسة آل البيت (ع) خاصة , وهي واحدة من الظواهر الأساسية في تاريخ العراق من القرن الخامس حتى يومنا هذا لقد تجلت المرجعية الدينية للشيعة في العالم من خلال فكرة الإمامة المعصومة , وتلقى إتباع آل البيت منها المفاهيم والتوصيات والأوامر والإحكام والتكاليف التي تستهدف : تطبيقاً صحيحاً لأوامر الدين , وسلوكاً مدروساً للمحافظة على (( المجموعة المنتمية للتشيع كاتجاه عقائدي وسياسي وفقهي له مميزاته و خصائصه : وبذلك عبرت المرجعية عن ذلك التأسيس النظري (( الأصول الأربعمائة))*[1] والسير والتراجم التي حفظها لنا للائحة القادة المعصومين التراث الذي يمكن إن نطلق عليه تراث (المرجعية الدينية المعصومة) والتي كانت تمارس مهامها ووظائفها مرة من المدينة المنورة إلى كل أصناف العالم , وأخرى من العراق كما هو الحال في عصر الأمام علي  وشطراً من عصر الإمام الحسن , وجزء من حياة الإمام الصادق والكاظم والهادي والعسكري فلما حل عام (260هـ ) أديرت من جهة الناحية المقدسة أي من الإمام الحجة المنتظر(عج) عن طريق النواب الأربعة ([2]) فترة سبعين عاماً وبانتهائها بدأت الغيبة الكبرى ودخلت مرحلة جديدة في ممارسة المهام هي المرجعية الاجتهادية حيث يتولى هرم القيادة العلماء والمجتهدون .
لقد تحمل العلماء والمجتهدون ورواة الحديث أعباء المسؤولية في تأدية الوظائف التي كانت تقدمها المرجعية المعصومة للناس , ولعل صيغة النواب([3]) الأربعة كانت تمهيداً للانتقال من قبول اراء المجتهد المعصوم إلى طاعة المجتهد غير المعصوم فقد كان القادة في البدء رواة الحديث , وقد صدر لهم المأثور من الأئمة (ع) (( أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا )) فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله )) ([4])  فأعطاهم هذا النص منزله من ترجح إليه الأمة في معرفة الحوادث والنوازل الجديدة وذلك يستبطن معرفتهم الدقيقة بالعلم وبذلك مارس المتصدون لتأدية مهام المرجعية الدينية هذه الوظائف بقدر الوسع الإنساني , وكانت بغداد من 329- 447 مقراً لهذه المرجعية وقد مارست فيها مهام عده منها مهمة (( نقل المعرفة الدينية )) من الأجيال السابقة إلى اللاحقة فيما أطلق عليه بعد حين (( الحوزة العلمية )) ومهمة وإدارة حوار الاختلافات والجدل الكلامي والفقهي والمنهجي مع المدارس الإسلامية في بغداد , وكجزء من مهام المرجعية كانت مواجهة السياسات التاريخية التي طبقت ضد المعرفة الشيعية , والوجود البشري الشيعي (قادة /أتباعاً) من السلطات سواء في جانبها العلمي الصرف أو في جانب الفكر السياسي الحركي منه والتنظيري , بحيث يمكن القول إن الوجود الشيعي بمكوناته كافة كان يواجه جهداً ممنهجاً تقوده (( أجهزة الدولة الأموية والعباسية )) كان في بعض فتراته يستهدف استئصال الوجود الشيعي فكان الصمود والبقاء والمحافظة على الحد الأدنى من الوجود هو الهدف المقابل لتحدي الاستئصال وهو أهم الوظائف للمرجعية لذلك يمكن التلميح إلى أن         (( جماعة آل البيت )) كانت الجماعة العقائدية والفقهية والسلوكية المنظمة هيكلياً والتي ظهرت في التطور الاجتماعي الإسلامي عبر تاريخه الطويل من بين جماعات المذاهب الإسلامية لقد كان من جملة المهام التفكير بحماية الجماعة و تطبيقات الوقاية التي تكلف بها المرجعية الدينية .. لذلك جاء قرارها بالهجرة من بغداد إلى النجف في ( 448هـ) بعد عام من غزو السلاجقة لبغداد وإسقاط الدولة البويهية , وممارسة السلاجقة للاضطهاد والقسوة المفرطة والتمييز المذهبي , ومصادرة الحريات المدنية والفكرية فلم تجد المرجعية إلا إن تقرر (( استحداث مقر جديد لها , له خصائص تحميه من اضطهاد السلطة فاختارت النجف مقراُ لها  لعوامل بيئية وسياسية ودينية متعددة لذلك فدراسة الدور المرجعي للشيخ المفيد (413 هـ) , والمرتضى (463هـ) والطوسي في المرحلة الأولى من مرجعيته لغاية (447 هـ) في بغداد , ثم والمرحلة الثانية من (448- 460هـ) التي أسس فيها الحوزة العلمية في النجف الاشرف لتكون بعد ذلك المقر الجديد للمرجعية الدينية للشيعة في العالم أجمع موضوعه مهمة وأساسية في فهم المشهد العلمي والانثروبولوجي الشيعي.بحيث يمكن إن تقدم مثل هذه الدراسة صورة عن معطيات تفكير المرجعية الجاد في حماية هذه الجماعة من تعسف السلطة وهجومات الخصوم وعمليات الاستئصال ولنتابع هذا في ألانتقاله الأولى للمرجعية عام 477هـ
أن أول ما بلغت النظر في انتقال المرجعية انتقال المرجعية الشيعية ( من بغداد - إلى النجف) عام 447هـ .
•1-  إن المرجعية الدينية للشيعة في بغداد كانت على صلة علمية مستمرة مع إتباع الفرق  والمذاهب الإسلامية الأخرى فلم تكن معزولة فكرياً و عقائدياً رغم جهد السلطات المتعافية الذي استهداف العزل وكانت حواراتها وجدلها الكلامي والفقهي تقترب من خلق جو موضوعي للخلاف والتعددية لكنها اضطرت بسبب الإرهاب السلجوقي إلى الاشتغال بالذات في دائرة الفقه والكلام وعلى نطاق المذهب لأجل تركيز الجهد على حماية الذات من التصدع بسبب زخم الاستئصال , وتحول الاساليب من التضاد الى السحق.
•2-  إن المرجعية الدينية - رغم الظروف غير الجيدة - التي عاشتها إلا أنها أنجزت تراثاً علمياً ضخماً فلقد أحصى للشيخ المفيد قرابة (200) كتاب ورسالة في الفقه والكلام والحديث , وأحصى للسيد المرتضى قرابة (70) مصنفاً ([5]) وقد انشغلت المرجعية في النجف بإعادة تصنيف التراث الشيعي (في مجال الفقه/ الحديث/ الكلام/ التفسير . . . الخ) كما هو الحال كله في انجازات الشيخ الطوسي والسمات التي تميز مؤلفاته كالدقة والاصالة والجمع المنظم.
•3-  إن المرجعية الدينية لم تتأثر بالخصوصية التبريرية التي كانت سمة الكثير من الدراسات التي ظهرت في العصر السلجوقي إنما كان منعقدها الرابطة الدينية وترصين المنهج العقائدي , والتعمق العلمي ولذلك نجد هذا واضحاً في إنتاجها التفريعات , والتوغل في عرض الأدلة وتحليل الأدلة ونقدها , ودخول النزعة الفلسفية والمنطقية في نتاجها , وربما لذلك السبب قد غلبت على أنتاجها المعطيات الأصولية , والفقه الاستدلالي في معظم تقريرات الدرس الحوزوي , وأعتبر التبليغ والقضايا السياسية والاجتماعية من المهمات التي يشتغل بها الخط الثاني من العلماء أي المهام التالية على الأداء والوظيفة المرجعية الأساسية ونلحظ أيضا قلة النتاج العلمي في التفسير والحديث في الانتاج المرجعي قياساً على أنتاج الفقه والأصول والكلام والفلسفة وفي مجال الحديث لا نجد في التفكير المرجعي الشيعي ما موجود في الوسط غير الشيعي مما يسمى بالصحاح دراية ورجالاً وشروحاً وبسطاً في العلل الروائية فالرواية الحديثية عند المجتهدين الشيعة يبقى توثيقها جزءاً من الاجتهاد وهو من المتغيرات , فيمكن إن يتبدل الحديث من الصحيح إلى الحسن في يوم من الأيام ويمكن إن نكتشف إن ما كان ضعيفاً من الأحاديث قد نجد له توثيقاً كان خفياً فأكتشفه عمل تنقيبي , لذلك فمخرجات هذه الوظيفة المرجعية من صنع    (( القادة المجتهدين )) الذين يملكون الأدوات والآليات التي يستطيعون بها عملية الاستنباط ضبطاً محكماً .
•4-  لقد تبنت المرجعية الدينية الاجتهادية منذ نشأتها من 330هـ حتى الآن مقولة استمرار الاجتهاد - ولكن لم تعتمده هدفاً بلا آليات ووسائل محكمة بل مع ضبط محكم للأدوات والممارسة الاجتهادية .
لذلك : تستبعد المرجعية الشيعية اغلب الأصول التي تتعارض فيها الظنون المتقابلة والآراء ووجهات النظر التي تتمتع كلها بدرجة واحده من المقبولية من جهة الدلالة كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة , لذلك فان عملية الإفتاء الشرعي في الوسط الشيعي عملية منضبطة جداً , فلا تقبل  الفتوى من غير المجتهد الجامع للشرائط , وبذلك لم تبرز ظاهرة فوضى الإفتاء في الوسط الشيعي في حين لاتزال هذه الفوضى ماثلة في الوسط الفقهي غير الشيعي .
•5-  قرنت المرجعية الشيعية بالاجتهاد (( قضية التقليد)) الذي اعفي غير القادر أو من لم تتح ظروفه إن يتوصل إلى درجة الاجتهاد من الإلزام بالاجتهاد , وأجازت له العمل على وفق افتاء من يراه متمكناً من حملة درجة المجتهدين المعترف بهم , وبذلك شكلت ثنائية الاجتهاد والتقليد واحده من وسائل الضبط الاجتماعي والسياسي فضلاً عن الضبط المعرفي الديني وهنا نلاحظ الوظيفة المركبة من (( بقاء الاجتهاد مستمراً , والضبط في هذه امتلاك أدواته , وحصر الإفتاء بأهل العلم بعد تشخيصهم أكاديمياً )) بحيث تمنع هذه الوظيفة فوضى الإفتاء وتعدد الفتوى إلى حد التضاد إضافة إلى إلزام إتباعهم بالانقياد التام والطاعة الذاتية لمقررات المرجعية الشيعية .
•6-  تركز المرجعية الدينية باصرار شديد ومتابعة جادة على خصائص العفة والنزاهة والسلوك القويم وتجعل للبناء الروحي والأخلاقي مكانه مهمة , وتقرر إن صفة العدالة شرط في إمامة الصلاة وتقليد المقلد , وترصد أروقة المرجعية من بين روادها من يكون أكثر قدره على جهاد النفس وبناء الذات بناء عصياً على إمراض العصر وأهمها الفساد والنزوات البشرية السلبية , لذلك فإنها ترسم دائماً برنامجاً للتطهير الذاتي وبناء القيم النبيلة في السلوك الإنساني . . ويتدرج قادة الرأي الشيعي في مدارج الهيكل المرجعي بحسب امتلاكهم هذه الصفة وصنعة العلم والعمق في التحليل فيتدرجون مدارج الرقي حتى يبلغوا مرحلة الشياع بأنهم مؤهلون لكن يكونوا من قادة المجتمع الشيعي , فالقادة لا تختارهم الطبقة الحاكمة , ولا اختيار العامة ولا توصية سابقة ممن سبقهم إنما يتجلى الترشيح من التركيز  فقط على المؤهلات الشخصية والعلمية والقيمية.
•7-  تمارس المرجعية الدينية وظائفها في جو من الاستقلال التام عن الحكومات والمؤسسات والأحزاب والقوى الاجتماعية , وتصر إن يكون الجانب المالي في الحوزة حصراً من المتطوعين لذلك فأنها تأخذ قرارها مستقلة عن كل مؤسسات الضغط , ويكون موقفها الإفتائي والعملي مبنياً على مراقبة الله والخشية منه ومراعاة المصالح الحقيقية للمجتمع والأخذ بنظر الاعتبار متطلبات المستقبل بقدر الوسع, الا انها لا تزال بحاجة الى مزيد من الاستشرافات.
•8-  ومن وظائفها ممارسة النشاط السياسي والاجتماعي من المسلّم به , أن المجتمع الشيعي نشأ مجتمعاً لا تنسجم رؤاه وتطلعاته مع السلطة التي تعاصره على طول الازمان وقد ظلت هذه السمة تلازم العلاقة بين هذا المكون العقائدي ذي السمات السلوكية والثقافية الخاصة وبين سلطة الدولة واتجاهاتها السياسية والمعرفية والحكومات المتعاقبة فلا بد من فكر عميق يدرك هذه السمة ويتصرف لحماية المجتمع الشيعي المعارض بل المتصادم دائما مع السلطات من محاولات الاستئصال او ضرب عقيدته وتشويها. وقد تتعدد الآراء في أول (( تكون فعلي)) لمثل هذا المجتمع, لكن الذي لا خلاف عليه إن مرحلتين أساسيتين مر بهما تطور المجتمع الشيعي :
الأولى : المجتمع الشيعي في ظل الامامه المعصومة .        
الثانية : المجتمع الشيعي في ظل مرجعية المجتهدين .
ويعطينا التاريخ شواهد متعددة في إن المجتمع الشيعي بمعناه العاطفي الملتزم بمحبته أهل البيت (ع) واحترامهم وإجلالهم , وان كان ديدن الغالبية الساحقة من المسلمين لورود النص في مودتهم الا انهم وحدهم المعاقبون على هذه المودة على ان سيرة الائمة (ع) تعكس بجلاء انهم شخوص استطاعوا بسلوكهم القيمي الرفيع إن يستقطبوا حتى خصومهم و المغررين بعدائهم إلى صفهم بالخلق الرباني الرفيع حتى شهد لهم أصحاب التراجم والطبقات أنهم أعجزوا الحكام من إن يفرضوا عليهم عزلة مجتمعية فلجأوا إلى سجنهم واغتيالهم وحجب الناس عنهم ورغم ذلك كله بقي المجتمع الشيعي ملتزماً تماماً بمقولات الأئمة , والتي كانت أقوالهم ووصاياهم في جزء كبير منها تعليمات إجرائية للحفاظ على هذا المجتمع ومواجهة خطر السياسات الاستئصالية التي تعرض لها المجتمع الشيعي - من عصر معاوية كقدر متيقن حتى عصورنا الراهنة في أكثر من بلد من بلدان العالم المعاصر تمثلت في التطهير الطائفي ومصادرة الحقوق المدنية والسياسية والفرص الاقتصادية وكبت الاصوات.
أن : البحث في روايات الأئمة (ع) التي تخص (حماية الجماعة الشيعية) من محاولات وإرادات السلطة الاستئصالية - ضرورة علمية لم تبحث بعد على مستوى التحليل السياسي و الفكري والعقائدي من وجهة نظري .
لقد انتهت مرحلة القيادة المعصومة فعلياً بعد سبعين سنة من تاريخ الغيبة الصغرى التي بدأت (265هـ) وبانتهائها دخل المجتمع الشيعي مرحلة أخرى جديدة هي مرحلة التفكير المشترك بين القادة والقواعد البشرية للتشييع انتجت الالتزام بقيادات علمية ارتقت في مجال امتلاك العلوم والمعارف و تدربت على ضبط التفكير السليم الذي يفهم تماماً مجريات الوقائع و يستشرف المستقبل لكنها مهما ارتقت علميا وقيمياً فانها تبقى في دائرة الاجتهاد البشري لتستمر الغاية التي من اجلها وجد الهرم القيادي و كان المسار المستمر لضبط الحركة و السلوك داخل التكوين العقائدي المجتمعي (الشيعي) -ينسجم مع سمات الإتباع و الانصياع المترتب على الإيمان المتحصل بآليات عقلية برهانية أو هكذا هو الافتراض ,وحيث إن النصوص قد قدمت حلولاً لكثير من المشكلات والوقائع - فان غياب المصدر المعصوم للنص ,قد نقل جهة الرجوع إلى (رواة الحديث كما ذكرنا    سابقاً ).
ويفهم منه :إن المتابعة ضرورة ,والالتزام بالانضباط الهرمي ضرورة وان الرجوع إلى ما ثبت صدوره أمر مفروغ من معرفتهم به, وإما في الجديد فان الرجوع إلى رواة الحديث لاستطلاع ما عندهم هو الحل وقد يفهم منه إن المراد برواة الحديث اؤلئك (الذين يمتلكون ناصية المعرفة الدينية) بناءً على الدلالة الزمنية لذلك المصطلح ,فلا يحصر في تخصص محدد من تخصصات العلم الشرعي .
وقد:ورد عن المفضل بن عمر عن الصادق (ع) قوله (كذب من زعم انه من شيعتنا وهو متمسك بعروة غيرنا ) للدلالة على ضرورات المرجع الشيعي المكلف بالتفكير باجراءات الحماية والانضباط و الالتزام بالخط.
لذلك :حصل الارتباط الديني - و الزمني المتدخلين مع بعضهما في ثنايا العلاقة بين المجتهدين و إتباعهم من معتنقي المذهب على حفظ (الكيان الاساس) للمجتمع الشيعي.
وقد نقل بعض الكتاب إن الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (786 هـ ) كان من ابرز من أسس جهازاً مرجعياً ينتشر في البلدان الشيعية في الشام (5) لتاثره بالبيئة الاكثر تطوراً في سواحل البحر المتوسط.
ولعلى لا اتفق مع من يرى إن المرجعية إبان العلامة الحلي جمعت بين الاهتمام بالشأن العلمي و الشأن الاجتماعي (6) , إذ إن الأصل في القيادة المجتمعية للشيعة انه كان استجابة لتحديات الاستئصال فلا بد من ممارسة الشأن    الاجتماعي .
ويلاحظ المتتبع في تاريخ المرجعية الدينية التقليدية أنها  حينما تجد إن مؤسسات الدولة ( أيا كانت شرعيتها قائمة بمهام الخدمات العامة ,و حماية المجتمع الشيعي) فإنها تتولى مهامها الدينية والفكرية وتراقب لحماية الوجود الشيعي من أن يتضرر ولكنها تدرك بمسؤولية في ظروف انعدام فعالية المؤسسات الحكومية او عجزها عن وظيفتها في إدارة المجتمع فإنها تمارس مهامها الاستثنائية واجد على ذلك شاهدين:
احدهما: توزيع المسؤوليات بين المراجع الأربعة السيد(بحر العلوم/والشيخ كاشف الغطاء ,و الشيخ حسين نجف,و الشيخ شريف محي الدين ,في مطلع القرن الثالث عشر الهجري (7) وادارتهم للقضاء و الشأن الاجتماعي لمدينة النجف.
ثانيهما :التصدي للإدارة الاجتماعية بعد سقوط هياكل سلطة النظام السابق في انتفاضة شعبان 1991 حيث صدرت من المرجعية (قائمة) استثنائية , مهمتها ادارة المدينة وتحقيق مصالحها لحين عودة الحياة إلى الوضع الطبيعي.
وقد كان التقسيم التخصصي للعمل داخل النطاق المرجعي مطلع القرن الثالث عشر الهجري - مبادرة ناتجة عن اتفاق,فان مطلع القرن الماضي قد شهد معركة التنباك التي قادها ضد البريطانيين المرجع الشيخ محمد حسن الشيرازي حماية للمصالح العامة للشيعة,لأن منح امتياز التبغ للانكليز حرم الناس من هذا المورد  ثم موقف الميرزا محمد تقي الشيرازي إثناء ثورة 1920 ومعه فتح الله الأصفهاني و النائيني و الشيخ الخالصي لرفض تنصيب الملك و القبول بالانتداب البريطاني ثم تصدي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء و الشيخ عبد الكريم الجزائري للدفاع عن مصالح الشيعة و مطالبة النظام الحاكم آنذاك بتلبية بعض التطلعات الاجتماعية لهم (8).إن هذا يدلل إن لهذه القيادة مهمتين أساسيتين الأولى دائمية ثابتة او الثانية متحركة , أي ما كانت عن استجابة للظروف .. لأجل حماية مصالح الشيعة على التوالي التاريخي للصيرورة والمسار , لذلك اجد نفسي اتفق مع ما تذهب إليه بعض الدراسات من إن الوظيفة الأساسية للمرجعية هي بناء المجتمع وحمايته ,قبل إن تكون عملية صنع الدولة هي مهمة المرجعية لان صنع الدولة مرحلة تالية على صنع المجتمع .
فالأصل :صيانة الشأن المجتمعي إلا إذا تطلب الحال إن تتدخل المرجعية في صنع الدولة فحينئذ تتدخل - استثناء - وتحت مقتضى الضرورة لصنع ((دولة تؤمن حماية الشيعة من خطر مصادرة حقوقهم السياسية و المدنية ومصادرة مصالحهم و تطلعاتهم وهذا ما حصل في مسألة كتابة الدستور العراقي بعد سقوط النظام السابق 2003 .. (9)
فلقد قررت سلطات الاحتلال الامريكي تشكيل مجلس لصياغة الدستور من أشخاص معينين من سلطات الاحتلال وطرحه على الاستفتاء ,عندها تدخل الإمام السيستاني فاصدر أمره بان تجري انتخابات حرة ونزيهة ليختار العراقيون من يقوم بصياغة الدستور ثم يجري التصويت عليه ولشد ما حاولت قوى متعددة احباط هذا المطلب الا انها جميعاً باءت بالفشل لاصرار المرجعية على ذلك.
صحيح: إن هناك اتجاهاً مرجعياً آخر يرى ضرورة إن تتولى المرجعية إدارة الدولة إدارة مباشرة على قاعدة ولاية الفقيه المتسعة نطاقاً او بوصفها ضرورة شرعية لكن الامتداد التقليدي للمرجعية الشيعية يميل إلى هدف  (صناعة المجتمع) و حماية التشييع أولا و أساسا ,إلا إذا فرضت الضرورة التدخل وعندئذ.. تقدر الضرورة بقدرها.
وبذلك :يطرح هذا الخط من التفكير المرجعي نظريتين أساسيتين لتحقيق الهدف (التطلع التاريخي للشيعة) الذي يعد تاريخيا دفاعيا وهو وظيفة حماية الذات و الحقوق و المصالح المجتمعية  وحالات صنع المرجعية للدولة -سواء كان ذلك اصلاً- على رأي ولاية الفقيه,او استثناء على وفق النظرية الاخرى فهناك توجهان:
الأول :ان المرجعية تسعى لإقامة الدولة الإسلامية المدينة التي يديرها أهل الخبرة المؤهلون و التي تحترم الثوابت و الكليات و القواعد العامة للنظام الإسلامي ,وتجعل من المرجعية مرشدة ,ومقومة للسلوك السياسي برمته.
الثاني :تتولى المرجعية إقامة الدولة الإسلامية التي يتولى ((الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى ))إدارة المجتمع إدارة مباشرة و أساسية وتخضع السلطات الثلاثة لادارتها.
فالنموذج الأول :يصنع مجتمعا  ويؤهله لصناعة الدولة ,والنموذج الثاني يصنع دولة ويؤهلها لصناعة مجتمع.
و على وفق النظرية الأولى لابد من  إقامة الدولة المدنية الإسلامية بإشراف و تسديد المرجعية ,وعليه فان الدفق الروحي للساسة و الباعث على الالتزام الذاتي للمواطنين و الانضباط الورعي للجميع (حاكما ومحكومين)هو الذي ينتظره الناس من تجربة سياسية تقودها المرجعية,وهذا لا يتعارض ولا يتقاطع مع مقولة التعارض المزعومة بحجة إن الدولة تقوم على أساس قوة الردع بالقوانين الإجبارية وان أنموذج المرجعية يقوم على قوة الورع الذاتي ..لان هذا الافتراض و التصور هو تصور لا يخرج عن تطبيقات (الدولة المعاصرة الاوروبية غير المرتبطة بأي قدر بالباعث الديني).
و في نطاق (الدولة المدنية الإسلامية ) التي ترعاها المرجعية ,تحدد الأخيرة حدود الفعل الديني وتحدد مساحة حركته,فهي التي ترسم الحدود وتحدد المهام ,و هي التي تختار مهامها تبعا للأوضاع فانها تحيل على الدولة المدنية التي ترعاها كثير من قضايا التكافل و الضمان الاجتماعي و الرقي الوظيفي و الاقتصادي و تنشغل بالبناء العقائدي و الخلقي ,وتعميق الجهد العلمي في رواقات الحوزة و    - سياسياً - هي اما حرصها تنشغل بالقضايا العامة و الكلية و التي لها اثأر مستقبلية بالغة على التشييع أو عموم التدين ,فلا تنشغل بالتفاصيل الفرعية لان ذلك من شأن السلطات التنفيذية و التشريعية .
كما أنها تراقب القضاء و الحقوق والحريات ,وتراقب العدل و الضمان وتلبية الحاجات العامة للناس ,وتراقب حركة التقدم ونوعه ,وتراقب سمات الأداء الحكومي و النيابي بصورة عامة ,بيد أنها لم تقرر بعد إن يصدر عنها تقرير سنوي يكشف عن تقييماتها للأداء في دولة مدنية نشأت بجهدها و مباركتها ليحدد ذلك التقرير للناس وجهتهم في الاختيار للجولات الانتخابية القادمة لاسيما وان مجتمعاتنا لم تمارس بشكل جيد مناخات الاختيار الحر للقيادات السياسية ,وهي لا تزال حبيسة في قيم ديكتاتوريات متعاقبة .على إن الضروري إن نذكر هنا:إن المرجعية الدينية لا يسوغ لها ولا تقبل لنفسها إن تكون مانحة الحكومات و البرلمانات الشرعية و الغطاء لان الموضوعية السياسية تقضي إن رضا الناس بالحاكمين و ورضاهم عن انجازاتهم لمصلحة الناس فهذان العنصران هما اللذان يمنحانهم الشرعية فكان دور المرجعية حث السلطات على كسب الرضا وتحقيق الانجاز.فالمرجعية تساعدهم على تحصيل و تحقيق هذين العنصرين كمقدمة لإقامة دولة مدنية حديثة ترعى الإنسان وتحقق له السعادة و التقدم لذلك :سيتوسط موقف المرجعية بين أمرين:
الأول: إنها لن تضع نفسها موضع المؤازر للسلطات اياً كانت على حساب مصالح الناس خوفاً من ان تلجأ إلى استخدام الدين :لإقناع الناس بترحيل مشكلاتهم إلى الآخرة او تلجأ الى التبرير و الذرائعية,بل تصنع نفسها تماماً مؤازرة للناس,ومدافعة عن حقوقهم و حرياتهم ومصالحهم وتطلعاتهم ,وتترفع من ممارسة إي درجة من حث الناس على ترك مطاليبهم لصالح طبقة الحاكمين.
الثاني:إن تمارس بنفسها تحقيق مصالح الناس ومطاليبهم هي بنفسها بوصفها هي التي تحملت بالاصل مسؤولية ادارة الشأن العام ثمة قضية أخرى:
نجدها في قائمة المهام الأساسية للمرجعية,هي إن الدور السياسي للمرجعية - لا ينحصر  (بالنطاق الشيعي) ,لأنها وان كانت دينياً وعقائديا معنية تماماً أو في غالب الأحوال بهذا النطاق إلا أنها سياسياً يجب إن تتطلع إلى أفاق المواطنة كافة .. بكل أطيافها الدينية و المذهبية ,ذلك لأنها ترعى الدولة وترشدها ووظيفة الدولة التعامل مع مواطنيها جميعاً بمنطق المساواة أولا ثم العدل ثانيا ,ثم الارتقاء ثالثاً ولأنها تمارس مهمة إشعار الغير بقيمها النبيلة التي تدفع باتجاه الفعل الإنساني ,لذلك فإنها لا تعتمد لتركيبها الأخلاقي و القيمي على إثارة الحس المذهبي وتحويله إلى تفكير طائفي لإغراض الحشد السياسي أو الانتخابي ,ولا تراهن على سيكولوجيا التعصب , بل تدفع باتجاه ان يصوغ اتباعها برنامجاً سياسياً و اجتماعياً واقتصادياً يصوت له حتى غير الشيعة .
إن تاريخ المرجعية الشيعية يكشف عن قناعة مستقرة في ذاتها على كل العصور أنها على يقين إن الممارسة الطائفية تشكل ضرراً بالغاً على الوجود الشيعي ,لعوامل عديدة أبرزها إن العقل الإسلامي -غير الشيعي- محتقن بأدبيات ومصنفات وكتب ومراجع أنتجتها ظروف تاريخية كانت تنفذ سياسات الاستئصال المعرفية وبناء على ذلك فان هذا العمل يتصرف طائفياً بشكل تلقائي فلا حاجة لاستفزازه واستعدائه و ثانيا ان الاعراف و التوارث التاريخي وقضايا الصراع المذهبي هي المكونة للعقل الديني (غير الشيعي) فأثارة المذهبية بصورة تفكير طائفي يحرك معلولات ذلك التكوين المعرفي ويشكل خطورة إستراتيجية كبرى, فضلاً عن ان الاجتهاد الشيعي يعد سمة لازمة لهذا الفكر يلزم منه الاعتراف بمشروعية التعددية ثم إن سلوك الأئمة (ع) يكشف تماماً عن وجهه أخلاقية شديدة التمسك بمراعاة الكل وتوعية المغررين بالنصب الحقيقة العلمية للتشيع ..
إن المؤسسات الدينية التي تلجأ إلى إثارة الانتماء المذهبي لصالح مشاريعها السياسية تراهن على امر اني سريع,ولكنه سرعان ما يتحول الى عبء ويسبب خسائر كبيرة فضلاً عن انه لا يتوافق مع التفكير المرجعي التاريخي ولا يصلح له بل هي حريصة إن تستبدله بالانتماء للانجازات ..فإذا ما حققتها النخب الشيعية فان المرجعية ستكون سعيدة بان الناس حينما يقترعون للأشخاص لا على اساس إنما على قدرتهم على الانجاز وإخلاصهم وجديتهم وكفاءتهم المهنية .
إضافة لذلك :فان الباعث المذهبي قد يؤدي إلى ممارسة استبدادية  اذ المبرر بعدم مواجهتهم لان اضعاف يطرح كان اضعاف للدين و المذهب و هذا أيضا لا يتوافق مع الصيرورة الشيعية ,لان الشيعة على طول التاريخ ضحايا الاستبداد الذي ظل على الدوام اشد العوامل تأثيرا فيما يفكرون فيه اجتماعيا وسياسيا لذلك فالمرجعية اشد القوى الفاعلة حرصا على حياة تنتفي فيها مظاهر الاستبداد.
أخيرا: أقول إذا كانت المرجعية الشيعية مضطرة بسبب ظروف و عوامل كثيرة إن تقيم الاتجاهات السياسية وتوجهها باتجاه بناء تجربة أخلاقية تمارس السياسة وليست تجربة سياسة تمارس التسلط,فان ما ترعاه من نموذج قطعاً يجب إن يكون من جنس تركيبها القيمي والأخلاقي وان دوافع هذه التجربة ستكون من جنس دوافع المرجعية في تحقيق رضا الله و رضا الناس و الالتزام بمقولات العمل الصالح.
وإلا :فإنها - على الرأي المشهور- ليست معنية أبدا بالدخول في مثل هذا المعترك - إلا للضرورة القصوى- فهي غير مستعدة ابدآ -بأي قدر- إن تتحمل مسؤولية- ممارسة عمل سياسي غير سليمة لأنها  راعية التجربة ,وهي غير مستعدة إن تفقد القها التاريخي لأجل منح الغطاء لحفنة من غير المؤهلين لممارسة السياسة.
  
الخاتمة واهم الاستنتاجات : ظهر مما تقدم
•1-  ان الصيرورة التاريخية للمرجعية الشيعية انها تمارس مهامها الدينية - بالقدر الذي تمارس متطلبات الشأن الاجتماعي العام ,ولكن المرجعية تصلح الشأن العام بآليات اخلاقية وعقائدية ,لذلك فالقول بان المرجعية الشيعية بسبب نظرية الانتظار الشيعي تمارس مهمات ((روحية خالصة)) كلام غير دقيق بيد ان الفارق ان هذه الممارسة تظهر بنمطين من التجلي :
الاول:ان تفكر وتتصدى لصناعة المجتمع الفاضل -ليصنع هذا المجتمع الحكومة الرشيدة ,و الدولة الفاضلة, وتبقى هي تراقب وتوجه وتسدد وتنصح وتوجه,فاذا وجدت ان التجربة السياسية الناجحة قدمت الدعم والمباركة ,وهذا هو الخط العام و الاعتيادي اما في الاستثناء :فأنها تتحمل المسؤولية لادارة الشان العام في الظروف الاضطرارية حتى تعود الامور الى نصابها الطبيعي.
•2-  في ظل هذا التصور فان الدولة التي يراد ان يصنعها مجتمع فاضل وكريم هي الدولة التي تحقق كرامة الانسان وتقدمه وسعادته وحقوقه السياسية و المدنية ,وهذا لايتحققالا بان تشغل الالية الثنائية بين الاجتهاد- والتقليد)في الضبط و التوجيه و تحديث الوعي وتجديد الرؤية و الاشتغال في نطاق المتحولات على اساس بناء وعي مدني اسلامي مستنير.
•3-  ان هذا البحث: لا يرى  صواب - التقاط - حالات خاصة لاتنسجم من المسار و الصيرورة التاريخية و التعويل عليها في تقييم دور المرجعية الدينية (( من مثل وقوفها مع الحكام , ودعوتها لترحيل المشكلات للاخرة  او انها الجهة التي تحشد بآليات مذهبية و احتقانات عصبية .
ان هذه التقيمات للمرجعية تتفاعل - بقصد- معطياتها الايجابية التي قدمتها في طول تاريخها .
•4-  فلو طالبت مثل هذه الدراسات من المرجعية ان تشجع على استحداث مراكز للابحاث الاستراتيجية و السياسية و الدولية لتكون قرارتها مبنية على معطيات علمية لكان اوفق.
•5-  تطالبها بان تستثمر مكانتها الروحية بحشد كل المؤمنين بقيادتها للدخول في حملات وطنية لانعاش اوضاع الشيعة في العالم مثل استحداث صندق الاغاثة الشيعي العالمي لرفد كل حالات الحاجة الى الاغاثة.
•6-  ان تكلف باحثين بالتخطيط لاستيعاب و احتواء التعدديات الدينية و المذهبية في العراق بالطريقة التي تجعل هذه التعدديات تشعر ان المرجعية الشيعية هي ضمانتها اذا تعسف السلطة.
•7-  ان لايتصاعد السلوك غير الموضوعي في التعامل من يدعى الانتساب اليها مع غير المتدينين او غير الاسلاميين (لبراليين علمانيين)من اقصاى اليمين الى اقصى اليسار , ولابد من اكتشاف منطقة عمل مشتركة لبناء الوطن والمواطن.
•8-  ان تتحول الشعائر الدينية و المذهبية الى مواسم لترقية الوعي واطلاق المبادرات لبناء الوطن من خلال ممارسة الشعائر حتى توظف هذه الشعائر امصلحة الانسان ولمصلحة التقدم و البناء و التنمية.
•9-  ان يصدر تقرير سنوي عن المرجعية (يوضح احوال الشيعة) في العالم اجمع على ان يكون له قوة ما يصدر عن المنظمات الدولية او الفتيكان ,ويكون المؤشر لاعلمي لتحقق المكتسبات على مستوى (منطقة شيعية حاكمة كايران او منطقة شيعية محكومة (كالبحرين)او منطقة شيعية  لاحاكمة مطلقاً مثل (العراق ولبنان)
ان تتشكل لجنة من الخبراء و الباحثيين لمراقبة اداء القنوات الفضائية الشيعية ,و المواقع , ثم محاولة تحسين ادائها الفكري والاعلامي و العقائدي لاج لان يعكس الموقف الشيعي بالصورة التي تحقق الاحترام الكامل.
ذلك لاننا نواجه - حملة كراهية واقصاء موروث و تاريخي,ولابد من الدخول في محاولات تفتيت هذا الارث المقيت.
  
مصادر البحث
1- مقدمة اللمعة ,ظ تاريخ الفقه الشيعي
2- السفراء الأربعة ,ظ موسوعة الإمام المهدي 1\29' بحث حول المهدي 7\9
3- رواة حديث الغيبة 1\302, الاحتجاج 470\الخرائج و الجرائح 3\130, مستدرك سفينة البحار 1\244 رواه الشيخ في الغيبة عن أبي غالب الزراري و ابن قولوية عن محمد بن يعقوب رواه الطبر في الاجتماع مرسلا,ظ الفصول المهمة 2\86, الوسائل ص27\124.
4- موسوعة الحوزة العلمية و المرجعية ج1\ص37
5- حسين الشامي :المرجعية الدينية في الذات إلى المؤسسة ص22
6- موسوعة الحوزة العلمية 2\182
7- ظ معارف الرجال 1\261 ,أعيان الشيعة 10\159
8- موسوعة الحوزة 2\190
9- حامد الخفاف :النصوص الصادرة عن المرجعية ص98
  http://www.alnoor.se/article.asp?id=149166&msg=sent#commentsبواسطة موقع النور

الخميس، 12 أبريل 2012

"الفكر المحافظ" في امريكا


وقد استخدم مصطلح "الفكر المحافظ" للتعبير عن أيديولوجية سياسية مميزة في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي. وقد ظهرت هذه الفكرة نتيجة للتغير السريع في الاقتصاد والسياسة الذي تزامن مع الثورة الفرنسية عام 1789، والتي أثارت ردود أفعال لدى العديد من القوى الفكرية والاجتماعية التي وجدت في هذا التحول السريع تهديداً للاستقرار السياسي والنظام الثقافي الأوربي ولعل كتاب (أدموند بيرك)(1) "تأملات في للنظام القديم"، في القرن الثامن عشر، هو مرجع للكثير من الأفكار تيار المحافظة 1،(ادمون بيرك:ولد عام 1729 في دبلن وغادرها الى لندن 1750 واهتم بالدراسات القانونية والسياسية ،أهم أعمال بيرك كتابه المناهض للثورة الفرنسية (تأملات في الثورة الفرنسية) والذي هجما به الثورة الفرنسية توفي في عام 1797.)

أما أول من استخدم مصطلح (المحافظون الجدد) فهو ((ايرفينغ كريستوفر)) حيث استخدام تشبيهاً مجازياً حينما عرف المحافظ بـ(الليبرالي الذي وقع ضحية الواقع) فتقدم بشكوى الى البوليس ، في حين الليبرالي هو الذي وقع ضحية اعتداء من الواقع ورفض ان يتقدم بشكوى الى البوليس و كريستوفر يعتبر الأب المؤسس لهذا التيار في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نشر مقالة بعنوان (المحافظون الجدد:قصة الأفكار)، استخدم فيها هذا المصطلح لتمييز آرائه عن آراء المحافظين التقليديين ، ولكريستوفر كذلك كتاب بعنوان (انعكاسات المحافظين الجدد ) ألّفه في عام 1983 تناول فيه آراء وأفكار المحافظين الجدد وانعكاساتها في السياسة الأمريكية .

والمحافظون الجدد هم اليوم الصورة الأخرى للمحافظين التقليديين في الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا كان تيار التقليديين قد ظهر منذ زمن في الولايات المتحدة ورسم الكثير من السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية وكان يطلق عليه (تيار ولسن) نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق (ودرو ويلسون) الذي يؤمن بأن (القيم الديمقراطية ) تحتاج إلى قوة قادرة على فرضها ونشرها ، والضرب بقوة على يد من يقف ضدها في أي مكان من العالم، باعتبار ان أمريكا لا يمكن ان تعيش آمنة وديمقراطية ومتمتعة بالرخاء الاقتصادي ، الا اذا كان العالم آمناً وديمقراطياً ، فان هذا التيار تعزز بقوة في عهد الرئيس الجمهوري الأسبق( رونالد ريغان) ، وقد برزت في عهده ملامح توجهات المحافظة الجديدة، مثل : تفضيل اللجوء الى القوة، والمثابرة على ذلك لتحقيق الأهداف الكبرى، عقائدية كانت أو سياسية أو اقتصادية ، وقد ترجم ذلك بالفعل في سلوكه متخذاً منحى استراتيجياً متصلباً تجاه الاتحاد السوفيتي السابق، من خلال ما عرف ببرنامج (حرب النجوم) الذي اجبر الاتحاد السوفيتي في النهاية على الركوع والتسليم بالهزيمة أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهت بذلك الحرب الباردة نهاية نصر بلا حرب .

الفارق الأساسي بين المحافظين الجدد والمحافظين الجمهوريين التقليديين يكمن في:
1.        ان المحافظين التقليديين يتمسكون بفكرة تقليل الانغماس الأمريكي في الشؤون العالمية ، والتخلي عن طموحات الهيمنة على العالم، لدرجة ان بعضهم اقترح ان تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من حلف الناتو، وتستعيض عنه في حماية أمنها بمشروع الدرع الصاروخي .
2.         بينما يتميز المحافظون الجدد بالنزوع الى الانهماك في السياسات الخارجية ، ويميلون الى عدم التقييد بقيود السلطة التشريعية ممثلة في مجلسي النواب والشيوخ
3.         كذلك هنالك اختلافات أخرى بين الطرفين في مسائل على الصعيد الداخلي الأمريكي وبالأخص ما يتعلق بموضوع تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ، ومسألة الحقوق المدنية والهجرة وغيرها
من هم؟:
والمحافظون الجدد يشكلون اليوم في الولايات المتحدة مجموعة مؤثرة في رسم السياسية الأمريكية،

1. على المستوى الرسمي:مثل نائب وزير الدفاع السابق (ولفويتز) والذي أصبح الآن رئيس البنك الدولي ، و(دوغلاس فايث) وكيل الوزارة للشؤون السياسية، ومن المنتمين لتيار المحافظين الجدد(جون بولتون) الذي يشغل منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، وريشيرد بيلر، وديفيد ، وليم كريتسول ابن ايرفينغ كريستول، وزلماي خليل زادا سفير الولايات المتحدة في العراق وآخرون .
2. على المستوى الفكري والمؤسساتي:هذا بالإضافة الى عدد كبير من صناع الفكر والإعلام والمجلات المتخصصة ومراكز الأبحاث التي تسهم في تقديم الاستشارات السياسية ورسم السياسات والاستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأمريكية منها(معهد أمريكا انترابرايز) ومعهد هيرتج، ومنتدى الشرق الأوسط - مؤسسة برادلي - مركز سياسة الأمن - مكتب المهمات الخاصة - مجلس سياسة الدفاع، مشروع القرن الأمريكي الجديد، مجلة المصالح القومية، مجلة تعليق ، ومجلة السياسة ........ الخ .
المرجعية الفلسفية للمحافظين الجدد:
لا بد لكل حركة سياسية من مرجعية فكرية أو فلسفية ترسم الأطر العامة لحركتها، والمحافظون الجدد لهم منظومة فلسفية ترسم الأطر العامة لحركتهم في المجال السياسي.
ويرجع المحافظون الجدد في أفكارهم الى المفكر الأمريكي - ألألماني الأصل (ليو شتراوس) المولود في عام 1899 في مقاطعة هيس الألمانية ، والذي غادر ألمانيا الى بريطانيا مع وصول هتلر للسلطة ، ثم غادر بريطانيا إلى فرنسا، التي غادرها في عام 1938 الى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أقام في نيويورك ، ودرس في معهد للبحوث الاجتماعية بها، ثم استقر في مدينة شيكاغو ، ودرس في جامعتها من 1949-1967 وأسس هناك (رابطة الفكر الاجتماعي). ولشتراوس خمسة عشر كتاب منها (ما هي الفلسفة السياسية، الحقوق الطبيعية والتاريخ، الليبرالية القديمة والحديثة، دراسات في الفلسفة السياسية لأفلاطون). بدا شتراوس نشاطه بمائة من طلبة الدكتوراه الذين تتلمذوا على يده ثم حملوا فلسفته، وقد أصبحت هذه الرابطة فيما بعد نواة لمذهب فكري يعرف بـ(الشتراوسية)، ويقوم على خدمته ونشره سبعة وسبعين من تلامذته. كذلك وجدت هذه الأفكار لها صدى عند مجموعة من اليساريين والليبراليين المنشقين على الحزب الديمقراطي. من أمثال (ايرفينغ كريستول) أو (نورمان بودرهورتز - وميج ديكتر - وناثان كلزير، دانيل بيل ، جيمس ويلسون ،سيمور مارتن ليبسيت ) وغيرهم .
ويركز مذهب شتراوس على نقطتين :-
الأولى: إن الديمقراطية لا تستطيع فرض نفسها إذا بقيت ضعيفة وعاجزة عن مواجهة الطغيان، وان النزعة النسبية الأخلاقية تفسد كل شي وتسمح بالانزلاق الى الفاشية والشيوعية ومن خلال تجربته في (جمهورية فايمار)(2) 1923 رفض الأنموذج الديمقراطي الليبرالي الذي كان قائماً فيها ورأى بان هذه الجمهورية في مجملها عبارة عن عدالة من دون قوة أو عدالة عاجزة عن اللجوء للقوة، إذا لابد للديمقراطية من أنياب ومخالب.
ثانياً: يرى شتراوس أن الديمقراطية تمثل الفضيلة وبالتالي أي فكر رافض لها يعد رفضاً للديمقراطية – مثل الفكر الشيوعي - وعلى ضوء ذلك تقسم الأنظمة الى قسمين جيدة وسيئة ، وهذا ما تولد عنه مصطلح (محور الشر) المناهض للتوجه الديمقراطي في مقابل – محور الخير - الذي يمثله الفكر الغربي الديمقراطي. ورأى شتراوس أن من حق أنظمة الحكم الصالحة ، بل من واجبها أن توجه (الأنظمة السيئة) وكان شتراوس معجب كثيراً بالإمبراطورية البريطانية كنظام ، كونها فرضت هيمنتها بالقوة والضم والسيطرة وكان معجب بشخصية الزعيم البريطاني (ونستنون تشرشل) باعتباره زعيماً يمثل رجل الدولة وذي الإرادة الصلبة .
أما أهم الأفكار التي تشكل فلسفة المحافظين الجدد :-
1- رفض الحداثة وتفضيل المنطق على التقليد :
إن الشتراوسيين يعتقدون بفلسفة ما قبل الحداثة، فهم ضمن التيار الذي يؤمن بفلسفة ما قبل الحداثة وفي الوقت نفسه هم بالضد من فلسفة الحداثة، ولكن موقفهم هذا من الحداثة ليس باسم الدين (كما في العديد من أشكال الأصولية الدينية في أنحاء العالم) أو باسم التقليد (مثل المحافظين منذ ادموند بيرك -1729-1797) ولكن باسم المنطق، وباسم الفلسفة ، ففهمهم للمنطق والفلسفة مختلف عن ذلك في عصر التنوير ، أن لذلك تأثيرين ، الأول: إن هذه الطريقة في التفكير هي ابتعاد عن المحافظة السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي لها تأثير واضح في المجتمع الأمريكي، بينما، على العكس، يعتبر الشتراوسيون المنطق هو الشكل الصحيح الوحيد للتفكير، ويحتقرون الفكر الإمبريالي، وبشكل أقل التقليد. والثاني: أن ذلك يضع الشتراوسيين في مواجهة مباشرة مع فلاسفة ما بعد الحداثة ، الذين يعتقدون أن فلاسفة ما قبل الحداثة قد عفا عليهم الزمن، وإنهم ليسوا بذي أهمية ، ولذلك فإن الشتراوسيين يعتمدون كثيراً على فلاسفة من أمثال بلاتو ، هوبز، ولوك ...
2- الفلاسفة هم الحكام الطبيعيون للمجتمع.
إن تعاليم شتراوس تركز كثيراً، على طبع المجتمع بالأفكار الفلسفية، في الجوهر، يمكن فقط وصف تعاليمه بأنها فلسفة سياسية، حيث القوة هي ضرورية لتطبيق الأفكار على المجتمع كما شدد شتراوس على الحاجة إلى إعادة فهم الأفكار الفلسفية للفلاسفة الكلاسيكيين ، ففي رأيه، لم يكن فلاسفة ما قبل الحداثة قادرين على التعبير عن آرائهم بحرية، خوفاً من الاضطهاد، وعمدوا إلى كتابات كانت تتضمن معاني خفية، لقد اعتقد انه لوحده من لديه القدرة على كشف تلك المعاني أو الحقائق، وتطبيقها في العالم الحديث. لقد كان يكره فلاسفة العصر الحديث الذين اتهمهم بفتح أبواب المعرفة للناس العاديين، وبذلك يكونون قد قللوا من منصب الفلاسفة، بل وأسهموا كذلك في عملهم هذا في تشويش عقول الناس وتحميلهم هموم ليسوا قادرين على حملها، وبالتالي فهو مضر بالمصلحة العامة، فعندما خرج سقراط عن ذلك التقليد ، وراح يناقش عامة الناس ويحاورهم ، فقد اعتبره شتراوس مذنباً، والتهمة التي وجهت إليه صحيحة ، وعقاب الموت الذي حل به كان عقاباً عادلاً. ويدعي شتراوس انه تمكن من قراءة الفلاسفة الكبار الذين يشكلون الإرث الفكري للحضارة الغربية، وإن تلك القراءة أكدت له أن الفلاسفة العظام يعتقدون انه لا يوجد آلهة لمعاقبة الخاطئين، وليس هنالك نظام أخلاقي يحدد ما هو خير وما هو شر، ولا يوجد حق طبيعي غير حق تحكم القوي في الضعيف ، وأن الحقيقة الوحيدة في العالم هي عدم وجود حقيقة، وأن هذا الأسلوب أدى إلى الخروج عن تقاليد استمرت مئات السنين وقد اضر بالحضارة الغربية ، إنه خلق في رحم الحداثة ميلاً نحو الفوضى والعدمية . وهو يرى أن الاستمرار في أسلوب الحداثة الليبرالية ، الذي يلتزم به جزء كبير من المثقفين الأمريكيين والدولة الأمريكية سيقود إلى إضعاف المجتمع الأمريكي والدولة الأمريكية . ولهذا ، فإن واجب النخبة الأمريكية أن تتوقف عن ممارسة الأسلوب الليبرالي في النقاش والحوار، بل عليها العودة إلى أسلوب الفلاسفة التقليدين في حجب الحقيقة عن عامة الناس وتزويدهم فقط بما يحتاجون إليه في حياتهم العملية، وبهذا فإن أتباع شتراوس، اعتقدوا بان المبادئ العالمية بشأن الحق موجودة ويمكن الوصول إليها ومعرفتها من خلال دراسة الفلاسفة الذين يؤمنون بهذه المبدأ ، وبالأخص أفلاطون وأرسطو، لذلك فهم رفضوا التوجه الحديث لتفسير الفلاسفة القدماء في سياق العصر الذي يعيشون فيه وهذا ما دفعهم الى اكتشاف معانٍ ، أو حقائق جديدة، والعمل على احتكارها ، لذلك أصبح لديهم نهم شديد للسلطة، حتى يستطيعون تطبيق نسختهم هم للحقيقة في المجتمع.
3-الكذب والخداع ضرورة للمحافظة على السلطة.
اعتقد شتراوس أن البعض قادرون على القيادة ، بينما الآخرون يجب أن يُقادوا. ولكن على خلاف المفكر( بلاتو)، الذي اعتقد أن القادة يجب أن يكونوا أشخاصاً ذوي مقاييس أخلاقية عالية، حتى يستطيعوا أن يقاوموا إغراءات السلطة، فان شتراوس كان يعتقد، أن أولئك الذين يصلحون للقيادة هم الذين يعلمون انه ليس هنالك أخلاقيات، وإنما هناك فقط، حق طبيعي واحد، حق القوي أن يحكم الضعيف، بعبارة أخرى، فإن ذلك يتطلب خداعاً مستمراً من قبل الحكام، من أجل رعاياهم. في هذا النوع من المجتمع، يتم إعلام الجموع بما يجب أن يعملوا، وليس ما هي الحقيقة. إن فهم الحقيقة هو مسؤولية النخبة الحاكمة، ويعلق (مايكل لادين)، وهو محافظ جديد مشهور، حول الحاجة إلى الكذب ، قائلاً: (من اجل ان ننجز أنبل الإنجازات، يمكن أن يجبر القائد على القيام بعمل شرير) وفي نفس السياق يعلق (وليم بفاف) بأن عقيدة المحافظين الجدد تقوم على الكذب حيث من الضروري إخبار الناس الأكاذيب حول طبيعة الواقع السياسي.. وتبقي النخبة الحقيقة لنفسها ، وهذا يمنح النخبة تبصراً وقوة لا تتوافر للآخرين ، وفي الدراسة التي قدمتها الأكاديمية الأمريكية حول علاقة تيار المحافظين الجدد بالفلسفة الشتراوسية ، رأت أن تلك الفلسفة هي الأساس الفكري لعملية الخداع التي يمارسها المحافظون الجدد بالنسبة لموضوعي الدين والقومية .
4-استخدام الدين للسيطرة على الجموع.
يختلف موقف المحافظين من الدين عن موقف الاتجاهات السياسية الأخرى التي تركز على الدور الاجتماعي للدين ، فهو ليس فقط ظاهرة روحانية ولكنه أيضاً الدعامة الأساسية للمجتمعات التي يجب أن تقوم على مجموعة من الأسس والقواعد الأخلاقية التي يوفرها الدين .
والدين، بالنسبة لشتراوس، هو الصمغ الذي يبقي على المجتمع واحداً. والمحافظين الجدد يرفضون فصل الدين عن الدولة ويدعون إلى ضرورة أحياء القيم الدينية في المجتمع الأمريكي .
وحول نفس الموضوع، قال مايكل لادين (إن الموت من أجل بلدك لا يأتي طبيعياً، إن الجيوش الحديثة التي تتشكل من الجماهير، يجب أن تلهم وتشجع ويتم إعدادها بالعقائد. إن الدين أساسي للمشروع العسكري، لان الرجال قد يجازفون بأرواحهم، إذا ما اعتقدوا بأنهم سوف يكافئون بحياة أبدية على خدمة بلدهم)، وأن السبب وراء تأييد المحافظين الجدد للدين هو أن شتراوس اعتقد بأهمية الدين من اجل فرض القانون الأخلاقي على الجماهير، التي بدونه تكون خارجة عن السيطرة. وفي الوقت نفسه، شدد على أن الدين هو فقط للجماهير، وليس على الحكام أن يكونوا ملزمين به. (المجتمع العلماني في نظرهم، هو أسوأ الأشياء الممكنة) لأنه يقود الى الفردية، والليبرالية قد تشجع على المعارضة، وبالتالي سوف يضعف ذلك، وبشكل خطير، قدرة المجتمع على التعامل مع التهديدات الخارجية. ويعمد المحافظون الجدد إلى إضفاء المسحة الدينية العامة على شعاراتهم الفكرية والسياسية ، فهم يتحدثون عن أن الحرية الأمريكية بوصفها(خطة الله للإنسانية) ويصفون أمريكا بأنها ( إمبراطورية الرحمة) ويعتبرون (الويلسنية) – أنها رسالة الأمة الخالدة .
وفي الإطار العملي نجد أن هناك توجه لدى المحافظين الجدد نحو تقوية المؤسسات الدينية في المجتمع الأمريكي ، على أساس أن ذلك يساعد الإنسان العادي على العيش وفق مفاهيم واضحة من الخير والشر ، والحق والباطل ، وبنفس الوقت، فأنهم يرون أن من الضروري التزام النخبة الحاكمة بتلك المفاهيم ، فهي في الحقيقة مفاهيم كاذبة ليس لها أساس حقيقي، ولكنها مفيدة فقط في توجيه عامة الناس لإبعادهم عن الفوضى والعدمية ، ونتيجة لذلك ، نرى أن (ايرفنج كريستول)، يوجه انتقاد الى الآباء المؤسسين الذين صاغوا الدستور الأمريكي لأنهم كرسوا فكرة فصل الدين عن الدولة ، ونتيجة لذلك أيضاً نرى أن المحافظين الجدد يعقدون تحالفاً مع التيار المسيحي الأصولي في الولايات المتحدة ، مع إن أغلبهم من العلمانيين ، وبذلك تكون نظرة المحافظين الجدد للدين عاملاً مهماً ومساعداً في تحقيق ما يصبون إليه، من توظيف الدين خدمةً لأهدافهم السياسية، ولعل تأثيرهم الواضح اليوم في السياسة الأمريكية يمكن تلمسه من خلال الخطاب السياسي للرئيسي الأمريكي جورج دبليو بوش حيث تغلب عليه المسحة الدينية.
5-الوطنية والقومية.
لقد تأثر شتراوس كثيراً بتوماس هوبز. ومثل هوبز، اعتقد شتراوس أن العدائية الأصيلة ، في الطبيعة البشرية، لا يمكن ضبطها إلا عن طريق دولة قوية تقوم على الوطنية، لأن الجنس البشري، بفطرته شرير، إذاً كان لابد من حكمة. وكتب مرة: إن هكذا حكم لا يمكن إقامته إلا حينما يكون الناس متحدين، ولا يمكنهم أن يتحدوا إلا ضد أناس آخرين. ومسلطاً مزيداً من الضوء على الموضوع، كتب ايرفينغ كريستول ، في مقالة بعنوان (قناعة المحافظين الجدد) ، إن الوطنية هي شعور طبيعي وصحي، ويجب أن يشجع من قبل المؤسسات الخاصة والعامة. وبالتحديد نحن أمة من المهاجرين، إن هذا شعور أمريكي قوي وأن كل ذلك يعني أن أميركا بحاجة الى تهديد مستمر، أو عدو دائم، من أجل تسعير أتون المشاعر الوطنية والقومية. في أعين المحافظين الجدد، كان يجب استبدال سقوط، الاتحاد السوفياتي بعدو آخر. ويدخل الولع بالقومية الأمريكية ، في أطار ما يتردد في أوساط المحافظين الجدد بتعابير مختلفة عن فكرة (اللاامريكانية)، التي يراد لها أن ترفع شعاراً رافضاً لكل معارضة لتفرد أمريكا وهيمنتها وسيطرتها .
6-الحرب الدائمة تولد الاستقرار
اعتقد شتراوس أن النظام السياسي يمكن أن يكون مستقراً فقط، إذا ما جوبه بتهديد خارجي. فعلى نهج ميكافيلي، يقول إن لم يكن هناك خطر خارجي، فإنه يجب صنع واحد. في نظر شتراوس، يجب عليك أن تقاتل دائماً لكي تبقى، وهذا بدوره سيؤدي الى ظهور سياسة خارجية مقاتلة .
إن الحرب الدائمة هي ما يؤمن به شتراوس، وليس السلم الدائم. إن الحرب كما يقول (ايليون كوهين) هي أخطر من أن يخطط لها العسكريون ، وإنما هم أداة لتنفيذها . إن هكذا وجهات نظر، من الطبيعي أن تؤدي إلى سياسة خارجية عدائية، وتهديدية، تعتمد الحرب الاستباقية كوسيلة لمواجهة أي خطر تعتقد أنه سوف يظهر في المستقبل، والى سياسة داخلية حيث لا تتهاون مع المعارضة ولا تتسامح معها. إن تلامذة شتراوس المحافظين الجدد، يرون السياسة الخارجية كوسيلة لتحقيق (القدر القومي) كما عرفه سابقاً ايرفينغ كريستول سنة 1983، الذي يتجاوز الحدود الضيقة (أمن قومي قصير النظر) .
إن أي شيء قد يؤدي الى الاستقرار العالمي، من مثل الأمم المتحدة أو الحكومة العالمية، هو أمر مكروه، من قبل أتباع شتراوس. في مقالته (قناعة المحافظين الجدد) كتب ايرفينغ كريستول (إن الحكومة العالمية هي فكرة رهيبة، لأنها قد تؤدي إلى الطغيان العالمي. إن المؤسسات الدولية، التي تشير الى حكومة عالمية في المدى النهائي، يجب أن ينظر أليها بشكلِ عميق) كونها تؤسس لمشاركة دولية في إدارة العالم ، وهذا له انعكاسات سلبية تحد من طموح المحافظين الجدد في تحقيق الانفراد والهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم.
إن شتراوس لم يكتب حول الريادة الأمريكية، ولكن تلاميذه قد كتبوا باستفاضة حول هذا الموضوع. فالمحافظان الجديدان، وليم كريستول وربيرت كايغن، قد أعلنا هذا النفير، في مجلة الشؤون الخارجية (فورين افيرز)، في تموز- آب سنة 1996 بعنوان (نحو سياسة خارجية ريغنية جديدة): (الآن، وبما أن الإمبراطورية الشريرة قد هزمت، فانه يجب على أميركا أن تطمح كي تمارس ريادة أميركية خيرة. لأنه لم يحدث سابقاً، أن كان لأميركا فرصة ذهبية ، من أجل الترويج للديمقراطية والأسواق الحرة في الخارج، في الوقت الذي لم يكن وضع الأمريكيين فيه من قبل على أفضل ما يكون عليه الآن) وبذلك فإن الهدف المناسب للولايات المتحدة يجب أن يكون المحافظة على تلك السيادة، قدر المستطاع ، أطول فترة ممكنة في المستقبل. كما أن الكاتبين ،قد قلّلا من شأن أولئك المتشائمين الذين يحذرون من التوسع الإمبريالي، أو خطر استقطاب أعداء، ودعوا بدل ذلك الى زيادة كبيرة في الميزانية العسكرية (للمحافظة على دور أميركا كسند عالمي) كما دعوا الى إجراءات لزيادة حماس الشعب الأمريكي، ربما عن طريق أشكال من الانخراط العسكري، وسياسة خارجية أخلاقية سافرة تهدف الى الدعوة الفاعلة للمبادئ الأمريكية للحكم في الخارج.
إن نظرية السيادة لا تستطيع العمل بوجود عالم متعدد الأقطاب، عوضاً عن ذلك، أنها تدعم فكرة أن دولة قوية، تملك سلطة لا مثيل لها، يجب أن تعيد تشكيل العالم الحالي بحسب مصالحها. فعن طريق فرض القوانين، فإن القوة السائدة تستطيع أن تحافظ على موقفها المسيطر على العالم. ومن خلال تبني هذه النظرة، فقد قام المحافظون الجدد بإحداث شق في الحزب الجمهوري وأقسام الحكومة، إذ أن العديد من الجمهوريين لا يزالون يعتقدون أن أميركا تستطيع أن تحافظ على منصب القوة العظمى، عن طريق ممارسة سلطتها في عالم متعدد الأقطاب .
هذه بعض أفكار مدرسة ليو شتراوس، والتي تجسد بدقة معظم التفكير لدى المحافظين الجدد . إن بعض هذه الأفكار متجذرة في وجهة النظر التي يتبناها المحافظون عن العالم، من مثل دور الدين في المجتمع أو توسيع السلطة الأمريكية. وبغض النظر، فإن الميزة المعبرة للفلسفة الشتراوسية هي، حتى بمقاييس المحافظين هي فلسفة متطرفة على اقل التقدير.
7-المحافظون الجدد وقضايا الحروب والتسليح
لخص الرمز الكبير في المحافظين الجدد (مايكل لادين) موقف مجموعته من قضايا الحرب والسلام بعبارة مختصرة قال فيها: ( الأمريكيون يعتقدون أن السلام أمر طبيعي..هذا ليس صحيحاً، الحياة ليست هكذا، السلام شيء غير طبيعي ) وأن العنف يجب أن يكون في خدمة الديمقراطية ، لذلك دعا (لادين) الى ما أسماه بالحرب الشاملة ،التي رأى بها الطريقة لبلوغ الأهداف الأمريكية في إحداث تغيير في العالم ، لذلك ، فان التغيير في العراق، وسوريا ، وإيران ، ينبغي أن يتم عن طريق العنف فقط، وهذه الروح الحربية عند المحافظين الجدد، تؤشر التحول في السياسة الأمريكية نحو الاستخدام المباشر للقوة لأحداث التغيير المطلوب، كذلك يصرّ ايرفينغ كريستوفر بأن هنالك مهمة تاريخية وهدف سياسي للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية هو العمل على إنشاء والمحافظة على الحكومات الديمقراطية الحديثة .
8- المحافظون الجدد والموقف من قضايا(الإرهاب)
يعتبر المحافظون الجدد الحرب على ما يسمى (الإرهاب) من القضايا التي تخصهم هدفاً ووسيلة ، فبعد تسعة أيام فقط من إحداث سبتمبر 2001 بعث وليام كريستول، ابن مؤسس تجمع المحافظين الجدد خطاباً الى جورج بوش، جاء فيه: ((لا يكفي تحطيم شبكات الإرهاب في أفغانستان، بل من الضروري إسقاط صدام حسين ، والقصاص من سوريا، وإيران، وحزب الله في لبنان)).
أما الإستراتيجية التي يقترحها (المحافظون الجدد) على الإدارة الأمريكية في حربها ضد (الإرهاب)، فقد حددها (دوغلاس فايث) وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية، والمنفذ الفاعل في مجموعة المحافظين الجدد، حيث حددها بثلاثة محاور:
المحور الأول: هو تعطيل نشاط (الإرهابيين) ثم تدميرهم مع بنيتهم الأساسية.
المحور الثاني: يتمثل في خوض (معركة أفكار) معهم ، تستهدف تجنيد بعضهم وتحويلهم إلى المبادئ الصحيحة ، واستخدامهم في تلك المعركة التي تعتبر معركة (أيديولوجية) ، يتوجب على أمريكا أن تكسبها أيضاً، لأن الإرهاب ظاهرة سياسية تحركها أيديولوجية، والأيديولوجيات يمكن أن تهزم مثلما هزمت الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق.
المحور الثالث: فيتمثل في عمل المزيد لحماية الأمن القومي الأمريكي الذي أنشت من أجله وزارة جديدة، وهي وزارة الأمن الوطني، كما أنشأت وزارة الدفاع قيادة جديدة يتولى فيها للمرة الأولى قائد عسكري مقاتل، الإشراف الأمني على جميع أراضي الولايات المتحدة القارية، ثم خلص (فايث) إلى القول بأن احد مكونات المحور الثالث من إستراتيجية أمريكا في حربها ضد الإرهاب، هو استخدام الصواريخ الاستراتيجية لمواجهة الإرهاب عندما يقتضي الأمر .

ثالثاً: المحافظون الجدد: المشاريع الاستراتيجية :
يعتمد المحافظون الجدد مجموعة من المشاريع الاستراتيجية التي تهدف الى تحقيق أطروحاتهم الفكرية والسياسية ولعل أبرز تلك المشاريع والتي تم صياغتها في شكل تقرير قدم للإدارة الأمريكية هما مشروع الإمبراطورية ومشروع القرن الأمريكي الجديد.
· مشروع الإمبراطورية.
تكونت هذه المجموعة برئاسة (ريتشار تشيني) وبول ولفتويز، وفايث، وجيمس ووسلي، وارمتاج ، وفرانك كالوتش ودونالد رامسفيلد ، وكانت كوندوليزا رايس سكرتيرة هذه الفريق.
وقد بدأ هذا الفريق ورشة عمله في مركز (جيمس بيكر) لدراسات البترول بتكساس عام 1992، وتوجه أعضاؤه الى بوش الأب الذي أصبح راعي هذه المجموعة مستغلين رغبته في استئناف العمل في مشروع الهيمنة الأمريكية. بعد سنة من العمل في بيت بوش الأب، توصل هذا الفريق الى تقرير نهائي وقع عليه ريتشار تشيني، وأبرز ملامح هذا التقرير ما يلي:
1. الحزب الجمهوري لا بد أن يمسك زمام السلطة من جديد، لأنه الحزب صاحب الرؤية الكاملة للقرن القادم.
2. الرئاسة القادمة - بعد كلنتون - عليها أن تستغل الفرصة التاريخية التي تنفرد فيها أمريكا بموقع القطب الوحيد في العالم لتمكن لمبادئ أمريكا وسطوتها في العالم. ينبغي البناء على ما أنجزه ريغان وبوش الأب (الجمهوريون) لاستكمال بناء الإمبراطورية التي وضعا أساسها.
3. على الإدارة الجمهورية عندما تعود للسلطة أن تمارس دورها في التمكين لمصالح أمريكا بدون قيود من أي جهة في العالم.
4. الولايات المتحدة - تحت حكم الجمهوريين - من واجبها أن تشاور حلفاءها ولكن من حقها أن تخالفهم وتتصرف بمفردها.
5. الحرب ضد الإرهاب هي الدعوة التي يمكن توحيد العالم كله حولها، سواء القوى الكبرى او الصغرى، وتلك هي أقدر الدعوات على حشد العالم خلف أمريكا، لأن كل دولة في العالم يمكن أن تصبح معرضة للإرهاب حقيقة ، والولايات المتحدة من حقها قيادة تلك الحرب من باب الدفاع عن النفس .
6. نزع فتيل الصراعات الإقليمية.
7. منع أعدائنا من تهديدنا.
8. تدشين عهد اقتصادي جديد.
9. توسيع دائرة التنمية.
10. تطوير مؤسسات الأمن القومي الأمريكي.
11. التعاون المؤسسات المركزية (كحلف شمال الأطلسي،والاتحاد الأوربي) .
· مشروع (القرن الأمريكي الجديد) .
تأسس هذا المشروع عام 1997 م تحت رعاية مؤسسة المواطنة، ومولته مؤسسة (برادلي)، وقد ارتبط أيضا بمؤسسة (أمريكا انترابرايز)، وهدفه المعلن هو :((تعزيز القيادة الأمريكية للعالم))، ويترأس المشروع (وليام كريستول) زعيم المحافظين الجدد، والمدير التنفيذي له هو (جاري شميت) المحافظ الجديد المستميت في الاحتفاء بفكر ((ليو شتراوس)).
ولهذا المشروع مبادئ وغايات معلنة ،صدر بشأنها بيان في 3/6/1997، جاء في ديباجته )):لمواجهة السياستين الخارجية والدفاعية التائهتين خلال الغرب المتقدم، تظهر أهمية صياغة الظروف قبل بروز الأزمات، مواجهة الأخطار قبل أن تستفحل ، ولتحقيق ذلك يتطلب ما يلي:
1. زيادة الأنفاق الدفاعي لتحمل مسؤولياتنا حول العالم.
2. تعزيز العلاقات مع الحلفاء الديمقراطيين ، وتحدي الأنظمة المعادية لمصالح أمريكا وقيمها.
3. تعزيز الحرية السياسية والاقتصادية حول العالم بنشر الديمقراطية واقتصاد السوق.
4. فهم الدور الأمريكي المميز، ومسؤوليته تجاه حفظ نظام دولي جديد يفيد أمن أمريكا ورفاهيتها ومبادئها.
5. الدفاع عن الوطن الأمريكي.
6. إحداث ثورة عسكرية في إمكانيات القوات الأمريكية.
وقد وقع 25 شخصية من رموز المحافظين الجدد على هذا المشروع .
وتحول هذا المشروع إلى مركز للأبحاث تحت تسمية (PANC)(مشروع من اجل عصر أمريكي جديد)، يقوم بإعداد الدراسات والمشاريع السياسية والإستراتيجية التي يسترشد بها صناع القرار في الولايات المتحدة ، فمشروع تحرير العراق كان في الأصل مشروع تم أعداده في عام 1998 من قبل مركز (PANC) ليقدم للإدارة الأمريكية لتحوله من ثمة الى سلوك سياسي في الواقع.

المرجع لما سبق
المحافظون الجدد: قراءة في المرجعية الفلسفية والطروحات السياسية
> القسم السياسي
د.باسم علي خريسان