المحاضرة الأولى
في فلسفة التاريخ
"التاريخ بوصفه موضوعاً لفلسفة
التاريخ"
د- عامر الوائلي
د- عامر الوائلي
إن التاريخ يُحفظ في دلالة
المفردة، وكشف حقلها التداولي، وهو ما يظهر لنا في ثلاثة معاني:-
1- التاريخ بوصفه رؤية.
2- التاريخ بوصفه مشاهدة.
3- التاريخ بوصفه استقصاءاً.
وتتركز هذه المعاني حول فكرة
المعرفة. ومن ثمّ ينقسم التاريخ إلى بعدين هما:-
أولاً: بوصفه جملة من الوقائع
التاريخية حدثت في زمان ومكان معينين، فالتاريخ يوصف بأنه حدث انطولوجي خارجي
موضوعي.
ثانياً: التاريخ بوصفه تدويناً
لتلك الأحداث والوقائع الخارجية، فيكون علم التاريخ إذا هو الواقعة المعرفية التي
تتشكل من خلال وجود المؤرخ، فالفرق بين التاريخ بوصفه موضوع البحث وعلم التاريخ
بوصفه المادة التي أنتجها الانسان عن تلك الوقائع الخارجية يكمن في النقطتين
السابقتين.
أما مادة علم التاريخ، فتتجلى في
أن علم التاريخ يمثل منظومة معرفية تهتم بدراسة نوعين من التاريخ هما: تاريخ عام
يضم حوادث كونية وفلكية وطبيعية؛ وتاريخ خاص، يضم أحوال بلدان معينة أو مدن أو
جماعات.
والملاحظ أن أدوات علم التاريخ
تختلف باختلاف موضوعاته التي تنقسم بدورها الى مادية ونفسية؛ أما المادية: فهي
التي نتعرف عليها بالحواس مثل أفعال الانسان، وأما النفسية فهي التي يدركها
الانسان من خلال البعد الوجداني من خلال تفاعله مع تلك الحوادث وجدانياً، كالعاطفة
والأفكار والوقائع.
وقد ظهرت غاية لعلم التاريخ
يُدخلها البعض في الفلسفة بجعلها مسوّغاً لدخول فلسفة التاريخ الى علم التاريخ،
وتتمثل بعقلنة الحوادث التاريخية التي تقوم كآلية على على جمع اخبار الماضي
واحيائها من أجل ادراكها والوقوف على ما هو قابل للتفكير فيه، وما هو غير قابل
للتفكير فيه من خلال:-
1- تحقيق تلك الحوادث. 2- تسجيلها. 3- تأويلها.
للوصول إلى الغاية من علم التاريخ
من أجل التحكم بالحوادث المستقبلية. ومن ثمّ نستطيع القول أن سيادة العقل تعني
انها نقلت التاريخ من سردي للاحداث سواءاً الصادق منها أو الكاذب، كما في أغلب
المدونات التاريخية التي دفعت ابن خلدون في كتابه (المقدمة) لطرح آليات عقلانية في
فهم الحدث وتبيان مدى مصداقيته من عدمه، وهي الغاية التي أكّد عليها الجانب
التنويري العقلاني الذي طرحه فولتير كآلية لفهم الحدث التاريخي وتفسيره. لأن
المؤرخ باعتماده تلك الآليات يخالف المنطق التقليدي للتاريخ القديم، مما يجعل منه
مالك قدرة في تفسير الحوادث وتأويلها ومن ثمّ يمتلك قدرة في فهم الأحداث والوثائق
التي تدخل في دائرة هيرمونطيقا التاريخ، من أجل أن تحقق أمرين:-
1- التنبؤ بالمستقبل.
2- تقرير امكانية تقدم العلوم من
خلال معرفة حدوث الوقائع مثل الزلازل والثورات، وربطها بأحداث معاصرة لتساهم في
فهم المستقبل.
ولعل ذلك ما سينتج في فلسفة
التاريخ دراسات أخرى هي الدراسات الستراتيجية كما عند صاموئيل هنتنجتون.
مسار التاريخ:
إنطلاقاً من تلك المنهج التي أسست
لها فلسفة التاريخ بشقيها العلمي الذي يؤمن بالحتمية (مثل فولتير)، أو المثالي
الذي يُرجع التاريخ إلى حدس فردي (مثل هيجل والمدرسة المثالية) نلاحظ أن كِلا
الجانبين انطلقا في التأسيس في فهم شمولي للتاريخ معتمدين على ثلاث قواعد هي: الكلية، العلية، الغائية. وهي أفكار نشأت في ظل
مشروع الحداثة الذي انطلق من وجود امكانية شمولية في وضع تفسير كوني للاحداث.
انطلاقاً من تلك المبادئ نشأ مفهوم لمعرفة مسار التاريخ ليؤسس إلى مقولة شمولية مفادها
أن للتاريخ مسار، فهو ليس فعل فوضوي بل انه قائم على نواميس كونية وانسانية تتحكم
بالتاريخ بابعاده الثلاث (الزمان، المكان، الانسان) في ظل دينامية تفاعلية يتغير
بمقتضاها الوجود ويتشكل بأشكال متعددة وفق تلك النواميس وقد ظهرت تأملات تنطلق من
تلك المبادئ في اعطاء توصيف لحركة التاريخ من أجل كشف مسار التاريخ وهي:-
1- التأويل التشاؤمي فهو ينطلق من
فكرة الكما والانحطاط، وترى أن التاريخ يسير من الكمال الى الفساد، كما هي في
التفسير الديني والتوراتي أو المثالي الأفلاطوني وغيره.
2- التأويل النقدي: وهو ما جاءت به
الماركسية وفلسفة التقدم إذ يرى أن التاريخ يسير من النقص إلى الكمال، وجميع
الفلسفات التقدمية.
3- التأويل الدائري: يرى أن
التاريخ يسير بحركة دائرية نقص كمال ثم كمال يعقبه نقص كما طرح ذلك ابن خلدون ومن
تأثّر به.
4- التأويل النسبي (المتنوع) فهو
يمزج بين العوامل سواءاً التأخر أو التقدم ولا يرى القول بالكلية.
ورغم أن تلك التأويلات تقول بوجود
مسار للتاريخ، إلا أن اصحابها يختلفون في تحديد هذا المسار وذلك كالآتي:-
1- من يرى أن التاريخ يسير بوتيرة
معينة ومسار معين.
2- من يرى أن التاريخ يسير بوتيرة
معينة ولكن بمسار غير ثابت.
3- من لا يرى الأمرين معاً، فلا
مسار ولا وتيرة.
فلسفة التاريخ (المعنى والسمات)
أولا: المعنى
يمكن أن نحدد هذا المعنى من خلال
النقاط الآتية:-
1- ان من أطلق هذه التسمية
(فولتير) وكان يقصد منها سيادة العقل عبر استخدام المنطق الفلسفي العقلاني في
دراسة التاريخ.
2-ان مصطلح (philosophy of history) يعني اعتماد نظرية عامة تقوم على
أساس فلسفي يناقش أمرين:أ- المنهج. ب- المفاهيم المعتمدة في توصيف الظواهر
التاريخية.
3- لقد عنت فلسفة التاريخ عند بعض
الباحثين الممكنات الآتية:
أ- انها تحدد المجال المعرفي
لفلسفة التاريخ.
ب- انها تُعنى بتحديد الفضاء للبحث
التاريخي من حيث تحديد معنى التاريخ، والقوانين المحركة له، والاتجاهات الرئيسة في
تحديد مسار التاريخ.
جـ- فلسفة التاريخ هي بمثابة رؤية
لمفكر في التاريخ ومنهجه وفي تفسير أحداث التاريخ.
د- بداية فلسفة التاريخ بداية
اختلف في تحديدها المؤرخون في الأصول الجينالوجية في فلسفة التاريخ، فيحاول البعض
اعادتها إلى ابن خلدون والآخر إلى فيكو، وآخرين.
هـ- نحن نرى بأن فلسفة التاريخ
ليست منهج في تفسير التاريخ بشكل عقلاني وعلمي بل هي عبارة عن جملة من المذاهب
التأملية، التي تحاول تفسير التاريخ من أجل توظيفه في اعطاء رؤية شمولية، وهذه
الرؤية بدورها خضعت إلى فضاء ثقافي غربي، تم توظيفها في الدفاع عن المركزية
الأوروبية التي تسعى الى جعل الثقافة الاوروبية هي الثقافة القائدة للحضارات
الأخرى وهو ما يدخل في خدمة الكولنيالية الغربية = الاستعمار. بمعنى أننا نرى أن
فلسفة التاريخ مرتبطة بتلك الاشكالية الغربية التي تنتمي الى أرضية معرفية
وايديولوجية مختلفة، بمعنى أن تلك المقولات السابقة الذكر-الشمولية، الغائية،
العلية- لم تعد اليوم ضمن فلسفة العلم أو الرؤية الفلسفية، فاليوم الباحث لا يريد
ان يقدم رؤية كونية شمولية بل يسعى الى التخصص بظاهرة معينة يحاول دراستها.
بمعنى أننا نرى أن فلسفة التاريخ
بوصفها فلسفة بدأت مع الحداثة مرتهنة بفضائها المعرفي الايديولوجي، لذا نختلف مع
الآخرين الذي يرون بوجود فلسفة تاريخ قبل الفترة الحديثة، إذ إن التوظيف
الايديولوجي المعرفي يعتمد العلم الراهن، فيوظّف مقولات مثل العلمانية، الطبقة،
وهي أفكار لم تكن متوفرة من قبل بهذه الشمولية، أما ما قبلها فهي مجرد مواقف
تفسيرية وجدها البعض من حفرهم في الأرضية المعرفية قبل فلسفة التاريخ، فهناك
التفسير الاسطوري للتاريخ، والتفسير الديني للتاريخ، والتفسير العقلي التأملي
اليوناني للتاريخ، وهي مجرد مواقف تفسيرية تحاول أن تقدم تفسير لأحداث تخدم واقعها
المعرفي والاعتقادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق